حديث (من أصبح آمنا في سربه)

أخرج الترمذي في سننه عن عبيد الله بن محصن -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا).[١]


شرح حديث (من أصبح آمنا في سربه)

يُستحسن الإشارة إلى بعض معاني الكلمات الواردة في هذا الحديث قبل البدء بشرحه؛ والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:

  • (في سربِهِ): بكسر السين، وقيل بفتحها؛ والسرب هو المسلك والطريق؛[٢] وقيل النفس والأهل والعيال.[٣]
  • (مُعافًى في جسدِهِ): صحيحاً، سليماً من الأمراض والآفات.[٣]
  • (قوتُ يومِهِ): ما يسدّ الرّمق من طعام وشراب، وسمّي بذلك لأنّه يقوت البدن بالقوة، ويكفّ الإنسان عن الحاجة.[٤]
  • (حيزت لَهُ): جُمعت له.[٢]


يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الحاضرين عنده في مجلسه، ومن سمع من بعدهم بهذا الخبر؛ أنّ من أصبح منكم آمناً في نفسه وأهله، وبضاعته وتجارته وماله، معافىً من كل الأمراض والأسقام التي تفتك بالإنسان وتذهل به، وتغيّر من حالته، وتقلل من قوته وصحة بدنه، وعنده طعامه وشرابه -مع ما أنعم الله عليه من الأمن والصحة-؛ بما يكفيه قدر يومه؛ فكأنّما نال الدنيا بأسرها؛ وجُمع له كلّ ما فيها من الخير والنعم.[٥]


وهذا الحديث يُبيّن أنّ الغنى والتعافي يكون بالنجاة من الاعتداء والظلم، واللصوص وخسارة المال، مع الأمن في المأوى والمسكن، كما يكون التعافي بصحة البدن من كل داء، إضافةً إلى القوت الذي يسدّ حاجته، ويكفيه عن السؤال؛ فكلّ هذه النعم والمتع لو بحث الإنسان عن ورائها وغيرها من النعم، لم يجد بعد ذلك شيئاً، فالدنيا كلّها تلخصت بما بين يديه؛[٦] ولهذا قال بعضهم:[٧]



إذا القوت يأتي لك والصحة والأمن وأصبحت أخا حزن فلا فارقك الحزن



ترجمة راوي الحديث

عرّف بعض المحدّثين برواي هذا الحديث الشريف؛ فقالوا هو عبد الله بن محصن الخطميّ -منسوب إلى خطمة من الأنصار وهم بنو عبد الله بن مالك بن أوس-، واختلفوا في اسمه بين عبد الله وعبيد الله؛ وكذلك اختلفوا في كنيته وصحبته للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو من الرواة الذين لم يروِ عنهم من أصحاب إلا الترمذي، وابن ماجه في سننهما؛ ولم يروِ له ابن ماجه إلا هذا الحديث تحديداً.[٨]


ما يرشد إليه الحديث

من خلال النظر في هذا الحديث النبويّ؛ يظهر العديد من الإشارات والفوائد التي يمكن استنتاجها منه؛ والتي نذكر منها:

  • الحثّ على الزهد بالدنيا ومتاعها؛ ولقد كان هذا من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لآله -رضي الله عنهم وأرضاهم- حين قال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا).[٩][٤]
  • طلب الكفاف من العيش؛ وفي هذا حصول السلامة من آفات الفقر والغنى.
  • الرضا، وتقدير النعم.
  • حيازة الدنيا كلّها لا تكون بملكها كلّها؛ إنّما بحصول الأمن، وتوفر القوت، وسلامة البدن.
  • نبذ الهمّ والغمّ والحزن، وكثرة التطلّع إلى ما عند الآخرين من أرزاق؛ وكل ذلك لا يكون إلا بالقناعة.

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبيد الله بن محصن، الصفحة أو الرقم:2346، أخرجه ابن حبان في صحيحه وقال المنذري إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما وحسنه الألباني.
  2. ^ أ ب السندي، محمد بن عبد الهادي، حاشية السندي على سنن ابن ماجه، صفحة 535، جزء 2. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ابن الملك، شرح المصابيح، صفحة 402، جزء 5. بتصرّف.
  4. ^ أ ب فيصل آل مبارك، تطريز رياض الصالحين، صفحة 335.
  5. ابن علان، دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، صفحة 467، جزء 4. بتصرّف.
  6. عطية سالم، شرح بلوغ المرام، صفحة 6، جزء 65. بتصرّف.
  7. عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 68، جزء 6.
  8. حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 258-259، جزء 5. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1055، صحيح.