نص حديث يا مقلب القلوب
أخرج الإمام الترمذي في سننه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يُكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ فقلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهل تخافُ علَينا ؟ قالَ: نعَم إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ)،[١] وفي روايةٍ أخرى عن شهر بن حوشب -رضي الله عنه-: (قُلتُ لأمِّ سلمةَ : يا أمَّ المؤمنينَ ما كانَ أَكْثرُ دعاءِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كانَ عندَكِ؟ قالَت: كانَ أَكْثرُ دعائِهِ: يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ قالَت: فقُلتُ: يا رسولَ اللَّهِ ما أكثرُ دعاءكَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ؟ قالَ: يا أمَّ سلمةَ إنَّهُ لَيسَ آدميٌّ إلَّا وقلبُهُ بينَ أصبُعَيْنِ من أصابعِ اللَّهِ، فمَن شاءَ أقامَ، ومن شاءَ أزاغَ. فتلا معاذٌ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا).[٢][٣]
شرح حديث يا مقلب القلوب
دلّ الحديث النبوي سابق الذِّكر على العديد من الدلالات والإشارات المبيّنة فيما يأتي:
- كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كثيراً ما يسأل الله -تعالى- الثبات على الدِّين الحقّ والسير على صراطه المستقيم خوفاً من الضلال والزيغ والبُعد عن طريق الاستقامة والصلاح، وكان يسأل الله قائلاً: (يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)، أي: يا الله اجعل قلبي ثابتاً على دِينك، ولا تُحرفه عن طريق الحقّ والاستقامة، فأمر القلوب بيد الله يقلّبها كيفما يشاء.
- بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سبب إكثاره الدعاء بتثبيت قلبه على الإيمان حينما سألته أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- عن ذلك، إذ قال إنّ قلوب العباد بين يدي الله يقلّبهما كيفما يشاء بين الهداية والضلال، مع الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- جعل للعبد مشيئةً وإرادةً في اختيار طريق الحقّ أو طريق الباطل، وجعل محاسبة العباد على أساس أفعالهم وتصرفاتهم التي صدرت منهم والتي أرادها لأنفسهم.
- خلق الله -تعالى- الإنسان ومنحه الإرادة والمشيئة للخير أو الشرّ، قال -عزّ وجلّ-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)،[٤] وقال أيضاً: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا*إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)،[٥] أي أنّ الإنسان ميسّر لِما خُلق له، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبدالله: (جَاءَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعْشُمٍ قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، بَيِّنْ لَنَا دِينَنَا كَأنَّا خُلِقْنَا الآنَ، فِيما العَمَلُ اليَومَ؟ أَفِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ، وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ، أَمْ فِيما نَسْتَقْبِلُ؟ قالَ: لَا، بَلْ فِيما جَفَّتْ به الأقْلَامُ وَجَرَتْ به المَقَادِيرُ قالَ: فَفِيمَ العَمَلُ؟ قالَ زُهَيْرٌ: ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو الزُّبَيْرِ بشيءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَسَأَلْتُ: ما قالَ؟ فَقالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ)،[٦] وقال الإمام النوويّ شارحاً صحيح مسلم: (وفي هذه الأحاديث النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر، بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها، وكلٌّ ميسّرٌ لما خُلق له لا يقدر على غيره).[٧]
مواضيع أخرى:
المراجع
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2140، حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن شهر بن حوشب، الصفحة أو الرقم:3522، صحيح.
- ↑ "شرح حديث يا مقلب القلوب"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13/9/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الشمس، آية:7-8
- ↑ سورة الإنسان، آية:2-3
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2648، صحيح.
- ↑ "هل الإنسان مسير أم مخير"، إسلام ويب، 20/12/2006، اطّلع عليه بتاريخ 13/9/2021. بتصرّف.