نص حديث حفر الخندق

أخرج البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّا يَومَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاؤُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: هذِه كُدْيَةٌ عَرَضَتْ في الخَنْدَقِ، فَقَالَ: أنَا نَازِلٌ. ثُمَّ قَامَ وبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بحَجَرٍ، ولَبِثْنَا ثَلَاثَةَ أيَّامٍ لا نَذُوقُ ذَوَاقًا، فأخَذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أهْيَلَ -أوْ أهْيَمَ- فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لي إلى البَيْتِ، فَقُلتُ لِامْرَأَتِي: رَأَيْتُ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا، ما كانَ في ذلكَ صَبْرٌ، فَعِنْدَكِ شَيءٌ)؟[١]


فقالت زوجة جابر بن عبد الله: (عِندِي شَعِيرٌ وعَنَاقٌ، فَذَبَحْتُ العَنَاقَ، وطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ في البُرْمَةِ، ثُمَّ جِئْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، والبُرْمَةُ بيْنَ الأثَافِيِّ قدْ كَادَتْ أنْ تَنْضَجَ، فَقُلتُ: طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ ورَجُلٌ أوْ رَجُلَانِ، قَالَ: كَمْ هو؟ فَذَكَرْتُ له، قَالَ: كَثِيرٌ طَيِّبٌ، قَالَ: قُلْ لَهَا: لا تَنْزِعِ البُرْمَةَ، ولَا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حتَّى آتِيَ).[١]


ثم قال النبيّ الكريم لأصحابه: (قُومُوا. فَقَامَ المُهَاجِرُونَ والأنْصَارُ، فَلَمَّا دَخَلَ علَى امْرَأَتِهِ قَالَ: ويْحَكِ! جَاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ ومَن معهُمْ، قَالَتْ: هلْ سَأَلَكَ؟ قُلتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: ادْخُلُوا ولَا تَضَاغَطُوا. فَجَعَلَ يَكْسِرُ الخُبْزَ، ويَجْعَلُ عليه اللَّحْمَ، ويُخَمِّرُ البُرْمَةَ والتَّنُّورَ إذَا أخَذَ منه، ويُقَرِّبُ إلى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ، فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ، ويَغْرِفُ حتَّى شَبِعُوا وبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: كُلِي هذا وأَهْدِي؛ فإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ).[١]


شرح حديث حفر الخندق

كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحبّون النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حباً جمَّاً، وهذا الحديث النبوي يُظهر ذلك ويُظهر تعاون النبيّ القائد معهم في حفر الخندق، بالإضافة إلى ما تعرّضوا له من المحن أثناء ذلك، وما أكرمهم الله به من بركات النبيّ الكريم بعد ذلك، ونبيّن شرحه بحسب مواضيعه المتسلسلة فيما يأتي:


اعتراض الصخرة للصحابة أثناء الحفر

يُخبر جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن حفر الصحابة الكرام للخندق، فقد أخذ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- برأي سلمان الفارسي الذي أشار لهذه الخطّة الذكيّة، وكان ذلك في العام الخامس من الهجرة؛ لحماية المسلمين من الأحزاب التي جمعتها قبيلة قريش لمهاجمة النبيّ وأصحابه، فبدأ المسلمون بحفر الخندق شمال المدينة، والخندق عبارة عن حفرة عميقة تُحفر في جهةٍ ما، وقد تُحيط بمنطقةٍ معيّنة.[٢]


وعندما كان الصحابة يحفرون الخندق عُرِضت لهم كُديةٌ شديدة؛ أي ظهرت أثناء حفرهم صخرةً قويَّةً شديدة الصّلابة، فلم يستطيعوا كسرها، فأخبروا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فجاء القائد الكريم وبطْنه مربوطاً بحجرٍ بسبب الجوع الشديد، إذْ مرّ عليه وعلى أصحابه ثلاثة أيَّامٍ لم يأكلوا فيها شيئاً، وأخذ النبيّ الكريم المعول من أصحابه، وضرب الصخرة، فتحوّلت إلى كثيبٍ أهْيل أو أهيم؛ أي تفتّتت وصارت رملاً.[٢]


ذهاب جابر إلى بيته وطلب إعداد الطعام للنبي

استأذن جابر -رضي الله عنه- من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالعودة إلى منزله، وذهب إلى زوجته بعد أن رأى بطن النبيّ الكريم معصوباً بالحجر من شدّة الجوع، فأخبرته زوجته أنّ الطعام لديهم يكفي لواحدٍ أو اثنين،[٣] وأخرجت الشعير، وذبحا عِناقاً؛ أي شاةً، وجهّز هو وزوجته طعاماً للنبي، ثمّ رجع جابر ودعا النبيّ إلى الطّعام،[٤] وأخبره أن البرمة بين الأثافي ستنضج؛ أي إنّ الوعاء على الأحجار سيطيب ويكتمل استواء ما فيه.[٥]


وقد سأل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جابر عن مقدار هذا الطعام، فأخبره جابر أنّه يكفي الرجلان، فما كان من النبيّ الكريم إلا أنْ نادى في أصحابه من المهاجرين والأنصار، ودعاهم إلى الطعام في بيت جابر، فدُهِش جابر لذلك، ولكنّ النبيّ طمأنه وأخبره ألّا يخبز الخبز ولا يُنزل القِدْر حتى يأتي ويُبارك فيه.[٤]


بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم

لم يستأثر النبيّ الكريم نفسه بالطعام، بل دعا معه جميع أصحابه، فدُهش جابر وزوجته من ذلك، وتساءلا كيف سيكفي الطعام كلّ هذا العدد من الصحابة؟![٦] فدخل النبيّ الكريم وأمر أصحابه بالدخول قائلاً لهم: "لا تضاغطوا"؛ أي لا تتزاحموا.[٧]


وأخذ النبيّ الطعام ودعا بالبركة، وصار يوزع اللحم على الخبز ويعطي أصحابه، ولا زال يفعل ذلك حتى شبع جميع أصحابه، ثمّ قال لزوجة جابر أن تأكل وتشبع من هذا الطعام، ثمّ توزّع البقيّة على الفقراء، لأنّ النّاس قد أصابتهم المجاعة.[٢]



مواضيع أخرى:

حديث يدل على محبة الرسول للأنصار

شرح حديث يكبر على كل شرف

المراجع

  1. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:4101، صحيح.
  2. ^ أ ب ت "شرح حديث حفر الخندق"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2023. بتصرّف.
  3. ابن هبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح، صفحة 317، جزء 8. بتصرّف.
  4. ^ أ ب "معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في تكثير الطعام ووجود البركة فيه"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2023. بتصرّف.
  5. شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 166، جزء 11. بتصرّف.
  6. "مشاركة النبي في حفر الخندق"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 22/1/2023. بتصرّف.
  7. فيصل آل مبارك، تطريز رياض الصالحين، صفحة 347. بتصرّف.