نص حديث أركان الإيمان

ثبت في صحيح مسلم أنّ جبريل -عليه السلام- تمثّل على هيئة رجل؛ شديد سواد الشعر، وشديد بياض الثياب، لا يظهر على أثر السفر؛ فجاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى جعل ركبتيه عند ركبتي النبي، ووضع كفيه على فخذيه، وأخذ يسأله ويُصدّقه؛ فلمّا سأله عن الإيمان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فأخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ، قالَ: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والْيَومِ الآخِرِ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ)، فقال له جبريل -عليه السلام-: (صَدَقْتَ...).[١]


شرح حديث أركان الإيمان

بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أركان الإيمان التي يقوم عليها؛ إذ إنّ الإيمان يُعرف بتصديق اللسان، واعتقاد القلب، وعمل الجوارح؛ أمّا أركان الإيمان فتعني الأمور التي يقوم عليها الإيمان، فلا يتمّ إلا بتحققها كلّها، وإذا زال ركن منها زال الإيمان؛ لأنّ الشيء لا يقوم إلا على أركانه،[٢] وتالياً بيان هذه الأركان مرتبةً كما وردت في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-:


الإيمان بالله تعالى

يعدّ الإيمان بالله -جلّ وعلا- الركن الأول والأساس لأركان الإيمان جميهاً، والذي يعني التصديق الجازم بوجود الله -تعالى-، واتصافه بصفات الكمال والجلال، واستحقاقه وتفردّه بالتوجه والعبادة؛ مع اطمئنان القلب بهذا الاعتقاد، وظهور أثره على جوارح الإنسان وسلوكه، بالتزام أوامره، واجتناب نواهيه، ومن الجدير بالذكر أنّ الإيمان بالله -تعالى- يتضمن الإيمان بأنواع التوحيد الثلاثة؛ توحيد الربوبيّة، والألوهيّة، والأسماء والصفات.[٣]


الإيمان بالملائكة الكرام

إنّ الإيمان بالملائكة يعني التصديق بوجودهم، وقدرتهم التي أخبرنا الله -سبحانه- ونبيّه عنها، والإقرار بوظائفهم الموكلة إليهم بما صحّت فيه النصوص الشرعيّة، وعدم الشكّ بذلك؛ لأن إنكار وجود الملائكة يُعدّ كفراً؛ قال -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)،[٤] كما أنّ الإيمان بالملائكة يجب أن يكون على وجه العموم، بالإضافة إلى ما صحّ فيه التفصيل، وسمّاه أو بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم-.[٥]


الإيمان بالكتب السماوية

ويُقصد بالكتب السماويّة جميع الكتب التي أوحاها الله -سبحانه- إلى الأنبياء والمرسلين؛ والإيمان بها يكون بالتصديق الجازم أنّها منزلةٌ من عند الله -تعالى- ووحياً منه، فيكون الإيمان لما أُجمل منها إجمالاً؛ كصحف إبراهيم، والزبور، كما يكون الإيمان بما فُصّل فيها مفصلاً؛ كما في القرآن الكريم، وقد تلقّى الأنبياء -عليهم السلام- هذه الكتب، وحدّثوا بها أقوامهم، وأمروهم بما فيها من شرائع وأحكام.[٦]


وينبغي التذكير أنّ جميع هذه الكتب السماويّة يُصدّق بعضها بعضاً، وأنّ القرآن الكريم هو خاتم هذه الكتب السماويّة؛ الذي تعّهد الله -تعالى- بحفظه إلى يوم القيامة،[٦] حيث تعرّض كثيراً ممّا جاء في الكتب السماويّة للتبديل والتغيير؛ كالتوراة والإنجيل؛ فلا يُجزم بما فيها إلا موافق منها نصوص القرآن الكريم أو السنة النبويّة الصحيحة الثابتة، ويقتضي الإيمان بها التصديق بأنّ الله -تعالى- نزّل كلاً منها على نبي من أنبيائه، دون الخوض في تفاصيلها وتعاليمها.[٦]


الإيمان بالرسل

إنّ كيفية الإيمان بالرسل تكون باعتقاد ما أخبر الله -تعالى- به عنهم في محكم تنزيله، أو بيّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في صحيح السنة النبوية؛ فعلى المسلم أنّ يقرّ أن الله -سبحانه- بعث لكل أمة رسولاً يهديهم، ويرشدهم لعبادة الله وحده، وبأنهم كلهم كانوا على الحق المبين، والهدى المستبين، تجمعهم رسالة واحدة، وأصل واحد؛ وهو توحيد الله -سبحانه-، مع الإيمان بما سمّى الله -تعالى- في كتابه من أسماء، وما بيّنت النصوص من خصائص وأخبار وفضائل.[٧]


الإيمان باليوم الآخر

إنّ الإيمان باليوم الآخر يتلخص بتصديق المسلم أنّ الله -تعالى- جعل يوماً للحساب في الآخرة، وأرسل الرسل والأنبياء -عليهم السلام- مبشرين ومنذرين، أو محذرين ومخوفين؛ وقد ربط الله -سبحانه- الإيمان به بالإيمان باليوم الآخر في مواضع عدّة؛ منها قوله -تعالى-: (... وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ...).[٨][٩]


وسمّي اليوم الآخر بهذا الاسم لتأخره عن الحياة الدنيا، ومجيئه بعدها، وموعده وميقاته في علم الله وحده،[١٠] والإيمان باليوم الآخر شامل لكل غيب بعد الموت، من حياة البرزخ، والبعث والنشور، والعرض على الله -تعالى-، وإقامة الميزان، والحساب على الأعمال، والجزاء بالجنة والعقاب بالنار.[١١]


الإيمان بالقدر خيره وشره

"هو التصديق الجازم بأن كل خير وشر يكون فإنما هو بقضاء الله وقدره، وأنه -سبحانه- الفعّال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره"،[١٢] وأضيف الشرّ إلى القدر إشارة إلى شرّ المقدورات والمخلوقات؛ فالفقر والجدب والمرض، ونحو ذلك من الابتلاءات هي في نظر الإنسان شرٌ له، بينما هي عند الله -تعالى- خير؛ لأنّه يقدّرها بحكمته وعلمه وقدرته، فيشقى بها من يشاء، ويسعد بها من يشاء.[١٣]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:8، صحيح.
  2. صالح الفوزان، شرح ثلاثة الأصول، صفحة 201-202. بتصرّف.
  3. عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، صفحة 49، جزء 1. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:126
  5. عبد الله بن عبد الحميد الأثري، الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة، صفحة 65، جزء 1. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية الدرر السنية، صفحة 327-330، جزء 3. بتصرّف.
  7. مجموعة من المؤلفين، الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 159-161. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:177
  9. مازن بن محمد بن عيسى، الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع، صفحة 26. بتصرّف.
  10. مازن بن محمد بن عيسى، الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع، صفحة 38. بتصرّف.
  11. عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 1، جزء 5. بتصرّف.
  12. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف، التوحيد للناشئة والمبتدئين، صفحة 100. بتصرّف.
  13. ابن عثيمين، شرح العقيدة الواسطية، صفحة 70، جزء 1. بتصرّف.