نص حديث (كن في الدنيا كأنك غريب)

أخرج البخاري في صحيحه حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-، إذْ يقول: (أخَذَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)، "وكانَ ابنُ عُمَرَ يقولُ: إذَا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وإذَا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ".[١]


شرح حديث (كن في الدنيا كأنك غريب)

أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأمّته إلى عدم الركون إلى الدنيا، لأنّها فانيةٌ مهما طال عمر الإنسان فيها، والمؤمن يجعل دنياه دار عبادةٍ وعملٍ، ويُرضي الله -تعالى- فيها حتّى يجني الثواب والأجر في الآخرة، فهي مُستَقرّه وداره الباقية، أمّا الدنيا ستنتهي عاجلاً أو آجلاً، ونبيّن معاني هذا الحديث الشريف فيما يأتي:


شرح قوله: "كن في الدنيا كأنك غريب"

يُخبر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أخذ بمنكبه؛ أي أمسك بكتفه حتّى يلفت نظره وفكره إلى وصيَّةٍ في غاية الأهميّة، ثمّ يقول له -عليه الصلاة والسلام- وهو يعِظه: "كُنْ في الدُّنيا كأنَّك غَريبٌ"؛ أي كُن مثل شخصٍ جاء إلى هذه الدنيا غريباً لا أهل له، ولا منزل يؤويه، ولا وطن يُحيط به، ولا صديق يُسلّيه، لأنّ الغريب حريٌّ أن لا ينشغل بدنياه عن خالقه.[٢]


شرح قوله: "أو كعابر سبيل"

عابر السّبيل هو المسافر الذي جاء وخرج دون أن يركن للمكان الذي أتى عليه، وهُنا يُشير النبي الكريم في وصيّته إلى أنّ الدنيا ما هي إلا محطّة سفر، والمؤمن فيها مسافرٌ منها إلى وطنه الحقيقي، ألا وهي الدار الآخرة،[٣] وعابر السّبيل أعمّ وأبلغ من الغريب، فهو أعمّ لأنّه يحتمل أن يكون غريباً أو غير ذلك، وهو أبلغ لأنّ متعلّقاته في الدنيا وانشغالاته فيها أقلّ من متعلّقات الغريب، وهذا التشبيه كنايةٌ على الزهد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والاستعداد لها.[٤]


الفرق بين الغريب وعابر السبيل

الغريب وعابر السّبيل ليسا من أهل الوطن، ولكنّ الفرق بينهما هو أنّ الغريب قد يُقيم في المكان الذي أتى إليه فترةً أطول من عابر السبيل، فهو وإن كان ليس من أهل ذلك المكان إلا أنّه قد يُقيم فيه أشهراً وأعواماً، أمّا عابر السبيل فلا حاجة له للإقامة في ذلك المكان، ولا يشغله ذلك عن مواصلة السفر لوجهته المقصودة، لذلك فسّر العلماء حرف "أو" في قول النبي الكريم "أو كعابر سبيل" بأنّه يُفيد الإضراب، أي بمعنى بل، حتى ينتقل النبي بابن عمر من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى أعلى بالزّهد من سابقتها.[٥]


شرح قول ابن عمر

كان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول معقِّباً على الحديث: "إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ"؛ وفي ذلك إشارةٌ إلى عدم تأجيل العمل حتى يأتي الصباح، لأنّ الموت قد يأتي قبله، ثمّ يقول: "وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ"؛ أي كن مستعداً وجاهزاً دائماً، وافعل ما يُرضي الله، لأنّ الموت قد يأتي قبل أن تُمسي، ثمّ حثّ على اغتنام فترة الصحة والعافية والحياة بالعمل الصالح والنافع قبل أن يبلغ الإنسان الكبر أو يتوفّاه الموت.[٦]


دروس وفوائد من حديث (كن في الدنيا كأنك غريب)

من أبرز الفوائد والعبر المستفادة من هذا الحديث النبوي الشريف ما يأتي:

  • تذكُّر حقيقة الدنيا واستحضار أنّها فانية يُعين المسلم على الاستقامة والثبات على الصلاح والاستعداد للآخرة.
  • استخدام الأساليب التي تلفت المستمع إلى أهمّية الانتباه للموعظة، فيجمع المستمع فكره، ويستشعر بأهمّية ما سيُقال، وهذا مستنبطٌ من إمساك النبيّ الكريم لكتف ابن عمر عندما وعظه، ومن تشبيهه البليغ الذي يُستنبط منه العديد من الحِكم البليغة.
  • الحرص على اغتنام الأوقات في الخير والأعمال النّافعة والصالحات، واستغلال مواطن القوّة فيها؛ كالصحّة والعافية والحياة.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:6416، صحيح.
  2. "شرح حديث (كن في الدنيا كأنك غريب)"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 30/5/2023. بتصرّف.
  3. حمزة قاسم، منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري، صفحة 290، جزء 5. بتصرّف.
  4. شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 449، جزء 15. بتصرّف.
  5. صالح المغامسي، شرح كتاب الرقاق من صحيح البخاري، صفحة 6، جزء 1. بتصرّف.
  6. ابن عثيمين، شرح الأربعين النووية، صفحة 391. بتصرّف.