نص حديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ. قالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَحْسِبُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ: والرَّجُلُ في مَالِ أبِيهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).[١]
شرح حديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)
يُرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث النبويّ الشريف إلى أهميّة قيام كلّ فردٍ بواجباته ومسؤولياته، وتأديتها بأمانةٍ وإخلاص، فكلّ مرْءٍ سيُسأل أمام الله -تعالى- عمّا أوكله إليه، ولا ينبغي للمرء أن يُقدِم على أمرٍ ليس مؤهَّلاً له، وإن تعيّنت عليه المسؤولية فعليه أن يعطيها حقّها، ويؤدّي فيها واجباته على الوجه الذي يُرضي الله -سبحانه-.
والراعي المقصود في الحديث هو القائم على رعاية مصالح مَن تحته والحافظ الملتزم بما وكّل له، فكلُّ مَن أُوكلت إليه مسؤوليةٍ ما وجب عليه العدل فيها والقيام بمصالح رعيّته في الدين والدنيا، وإن أوفى بذلك جزاه الله أجراً عظيماً، وإن قصّر أو فرّط في حقوق رعيّته حاسبه الله -تعالى- على ذلك،[٢] ونذكر شرح الحديث بتسلسلٍ واضحٍ فيما يأتي:[٣]
- "الإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"
الإمام هنا هو الخليفة أو الحاكم، ومسؤوليّته هي حفظ رعيّته، وعدم إهمالهم أو تضييع حقوقهم، وحمايتهم وذبّ العدوان والظلم عنهم، وحفظ شرائعهم، والعدل بهم، وردّ حقوقهم إليهم، وتذليل سبل العيش الكريم لهم، ورعاية مصالحهم في الدينية والدنيوية.
- "الرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"
يُقصد برعاية الرجل لأهله القيام بمسؤوليته في زوجته وأولاده وأهله، بحسن معاشرتهم، والإنفاق عليهم، ونصحهم وتوجيههم إلى الحقّ.[٤]
- "المَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا"
تكون رعاية المرأة أو الزوجة في بيت زوجها بحسن تدبير الأمور في بيتها، والتعهّد بحفظه،[٥] وصيانة زوجها، وحفظ عرضه وماله، وتربية أبنائهما، ورعاية مصالحهم الدينية والدنيوية.
- "الخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"
الخادم أو العبد مسؤولٌ عن رعيّته بحفظ ما أُمِر به، وعدم التصرّف في كثيرٍ من الأمور إلا بإذن سيّده،[٦] ويدخل في ذلك الأجير، فهو مسؤولٌ عن حفظ مال سيّده ورعاية ما بيده من الأمور التي أُوكِل بها، وكذا العامل، فهو مسؤولٌ عن إتقان عمله المُوكل إليه.
- "الرَّجُلُ في مَالِ أبِيهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"
وتكون رعاية الابن لمال أبيه بحفظه من الضياع، وتدبير مصلحته، وعدم الأخذ منه أو التصرّف فيه إلا بإذنه.
ما يُستفاد من حديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)
يُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف العديد من الدروس والعِبر، وأهمّها ما يأتي:[٧]
- وجوب قيام كلّ فردٍ بمسؤوليّته، وهذا يحقّق آثاراً عظيمة في الأمّة، ويُربّي في نفس صاحبه استشعار مراقبة الله -تعالى- له.
- التقصير في القيام بالواجبات وخيانة الأمانة يُضرّ بالأمّة، ويُسأل عليه صاحبه أمام الله يوم القيامة، ويُحاسب على ذلك حساباً عسيراً.
- رعاية المسؤوليات والقيام بها سببٌ لصلاح المسلم في دينه ودنياه وآخرته.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2409، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 127، جزء 94. بتصرّف.
- ↑ "شرح حديث (كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ)"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 21/2/2023. بتصرّف.
- ↑ حسن الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 625، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ حسن الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 474، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 396، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيّته"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 21/2/2023. بتصرّف.