الحديث الخامس من الأربعين النووية
أورد الإمام النوويّ في كتابه الأربعين نووية، تحديداً في الحديث الخامس منها؛ ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما؛ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ؛ فَهو رَدٌّ)،[١] وفي رواية الإمام مسلم: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا؛ فَهو رَدٌّ).[٢][٣]
شرح الحديث الخامس من الأربعين النووية
يعدّ هذا الحديث النبويّ الشريف أصلاً من أصول الدين؛ وهو أوضح حديث يردّ على المُحدثين والمبتدعين بشرع الله -تعالى- ما أحدثوه وابتدعوه، ويُلزم المسلمين بنهج الله -سبحانه- وهدي نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، ومما يُجدر التنبيه إليه أنّ كلّ رواية من روايات الحديث تحمل في دلالتها معنىً مختلفاً؛ يمكن الإشارة إلى كل منهما بالآتي:[٤]
- إنّ رواية الإمام البخاري؛ يُبين فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ كل من اخترع وأوجد في الدين ما ليس له أصل وأساس، أو لا يشمله شيء من أدلة الشرع، وقواعده العامة؛ رُدّ عليه إحداثه، ولا يُعدّ العمل به مقبولاً.[٥]
- أمّا في رواية الإمام مسلم، فإنّ الحديث يتضمن ما هو أعمّ وأشمل؛ لأنّ الأمر لا يقتصر على ردّ عمل من أوجد وأحدث أمراً جديداً، بل يشمل من عمل بهذا العمل المردود، سواء أكان مُقلّداً تابعاً لغيره، أو سابقاً إليه موجداً له؛ فكلاهما عملهما مردود، ولا يجوز الاعتبار به.
البدعة وتعريفها
أطلق العلماء على الإحداث في الدين -والذي أشرنا إليه سابقاً- مصطلح البدعة؛ وقد تعددت مناهجهم في تعريف البدعة، وضبط مصطلحها، وتقسيمها؛[٦] ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
المنهج الأول في تعريف البدعة
يرى جماعة من أهل العلم؛ منهم الإمام العز بن عبد السلام، وابن الجوزيّ، والنوويّ، وابن حجر، والسيوطيّ وغيرهم ممن وافقهم؛ كلّ هؤلاء العلماء يرون أنّ البدعة تُطلق على كل مُحدثة لم توجد في كتاب الله -عز وجل-، ولا في سنّة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، سواء أكانت في العبادات أم في العادات، وسواء أكانت مذمومة أو محمودة.[٧]
وبناءً عليه؛ فإنّ هؤلاء العلماء يرون أنّ البدعة تنقسم إلى بدعة حسنة، إذا وافقت ما في السنة النبويّة، وبدعة سيئة مذمومة إذا خالفت السنّة النبويّة، ولهذا قالوا بتقسيم البدعة إلى الأقسام الخمسة الموجودة في أحكام الشريعة الإسلامية؛ فهي إمّا أن تكون: واجبة -كتعلم النحو لحفظ الشريعة الإسلامية-، أو مندوبة -كتعلّم بعض علوم الشريعة المتخصصة-، أو مباحة -كتدوين أصول الدين- أو مكروهة -كزخرفة المساجد والمصاحف-، أو محرمة -كمنهج بعض الفرق الضالّة التي تنكر القدر، أو حريّة اختيار الإنسان لعمله-.[٧]
المنهج الثاني في تعريف البدعة
يرى جماعة أخرى من أهل العلم بأنّ البدعة لا تكون إلا مذمومة؛ فهي تشمل كل ما هو مذموم مُحدث لا أصل له في الشرع، وعلى هذا قول الإمام مالك، والبيهقي، وابن تيمية، وابن رجب، وغيرهم من العلماء المعاصرين، إلا أنّهم خصّوا البدعة بما يتعلق بأمور الدين دون أمور الدنيا؛ فقيد البدعة ما كان خارجاً عمّا رسمه الشارع وأقرّه.[٧]
وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض أهل العلم من المعاصرين قالوا بعدم جواز حمل هذا الحديث على المعنى اللغويّ للبدعة؛ فالإسلام يحثّ على التطوّر والمواكبة، ومراعاة فقه الزمان والمكان، بما لا يُغيّر في أصول الشريعة وأحكامها؛ كزيادة الفروض التي أمر الله -تعالى- بها، أو تحليل ما حرّم الله -تعالى- من الأفعال والمنكرات، فتكون البدعة المقصودة بالحديث والمذمومة شرعاً ما كان زيادة في الدين ومخالفة لأمر الله ونهيه، أما استحداث الوسائل التي تُعين على أمور الدين، فلا تعدّ من باب البدعة، ومثال ذلك:[٨]
- استحداث مكبرات الصوت لرفع الأذان.
- بناء المآذن في المساجد.
- استخدام الأسلحة الحديثة في الجهاد.
- استخدام المسبحة لضبط عدد الأوراد والأذكار التي يُقصد بها ذكر الله -تعالى-.
- استخدام الساعة لضبط أوقات الصلوات. وغيرها من الوسائل التي أُريد بها خيراً، فإنّها تكون من باب الخير
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2697، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1718، صحيح.
- ↑ النووي، الأربعون النووية، صفحة 55.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 7، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ إسماعيل الأنصاري، التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثا النووية، صفحة 16. بتصرّف.
- ↑ عبد الرءوف محمد عثمان، محبة الرسول بين الاتباع والابتداع، صفحة 215. بتصرّف.
- ^ أ ب ت حسام الدين عفانة، اتباع لا ابتداع قواعد وأسس في السنة والبدعة، صفحة 23-28. بتصرّف.
- ↑ سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (6/8/2012)، "البدعة الحسنة والبدعة السيئة"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 12/6/2023. بتصرّف.