نص حديث (كل سلامى من الناس عليه صدقة)

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ).[١]


شرح حديث (كل سلامى من الناس عليه صدقة)

حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدّة أحاديث شريفة على أعمال البرّ والصلاح التي تعود بالنفع والخير على المسلم، وعلى المجتمع من حوله؛ وفي هذا الحديث دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الصدقة، مبيّناً أنّ كل يوم تشرق فيه الشمس على الإنسان التصدّق عن كل مفصل من مفاصله، والبالغ عددها ثلاثمائة وستون مفصلاً؛ وقد قدّم -صلى الله عليه وسلم- عدداً من الأمثلة على الصدقات المعنويّة على سبيل الذكر لا الحصر؛ إذ إن كل الأعمال الصالحة تقع ضمن الصدقات التي يتصدّق بها المسلم على نفسه وعلى غيره،[٢] ويمكن بيان هذه الأمثلة على النحو الآتي:


العدل بين الاثنين

يُبين الحديث مسؤولية تحقيق العدالة والتي تقع على عاتق كل قادر ومسؤول، فالعدل بين المتخاصمين أيّاً كانوا هو من الصدقات التي يُؤجر عليها المسلم، سواء أكانوا أزواجاً أو أصحاباً أو أبناءً أو طلاباً أو نحو ذلك؛ لأنّ في العدل تحقيقاً للصواب وجريان للحقّ في الأرض، وليس ذلك مقتصراً على الحكم أو إعطاء كل ذي حقّه، بل يشمل العدل في الاستماع لكلا الطرفين، والعدل في التعامل، والعدل في طلاقة الوجه وتحمّل الناس، لذا جاء في الأثر: "عدل ساعة خير من عبادة ستين عاماً".[٣]


إعانة الرجل على دابته

والإعانة هنا تكون للسليم والسقيم، وللمعافى والمُبتلى، وللصغير والكبير؛ بأنّ يساعد المسلم أخاه في ركوب الدابة أو السيارة، أو غيرهما مما يحتاج الإنسان فيه الإعانة على الركوب، وحمل المتاع، ومناولة بعض الأدوات؛ فكلّ ذلك من الأمور التي يترتب عليها أجر الصدقة.[٤]


الكلمة الطيبة

والكلمة الطيبة هنا مطلقة لتشمل جميع الكلام الطيّب، الذي يكون علامةً على حسن خلق قائله، ويعكس جمال نفسه، كما أنّ للكلمة الطيبة أثراً كبيراً في إزالة الشحناء والبغضاء، وقبول الحق والإذعان له، وتثبيت المحبة في القلوب، والتجاوز عن الأخطاء والعثرات، كما تُتقى بها النيران، وتُرفع بها الأعمال إلى المولى -سبحانه-؛ ففي محكم التنزيل قال -سبحانه-: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).[٥][٦]


السير إلى الصلوات

عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- السير إلى المسجد من أنواع الصدقات على النفس؛ فالمسلم الذي يَجّدُ الخطو إلى المساجد لأداء الصلوات؛ يتصدق على نفسه بعظيم الأجر والثواب؛ بأن يرفعه الله -تعالى- بكل خطوة درجة، ويحطّ عن بها سيئة،[٧] كما لهم من البشرى ما تطمئن به نفوسهم، وترقى بهم أعمالهم؛ ففي الحديث: (بَشِّرِ المَشَّائِين في الظُّلَمِ إلى المَساجِدِ بالنُّورِ التَّامِّ يَومَ القِيامةِ)،[٨] فكان الجزاء هنا من جنس العمل؛ إذ إنّ السير والمشي إلى الصلاة وقت الظلام فيه زيادة مشقة ومضرّة، لذا أكرمهم المولى بالنور التام يوم القيامة.[٩]


إماطة الأذى

ويُقصد بإماطة الأذى إزالة كل ما يتضرر منه المارّة أو يحجب عنهم طريقهم، أو يعرقل سيرهم، من حجارة أو أشواك أو قمامة، أو مياه غير نظيفة؛ فكل ذلك مما يتصدّق به المسلم على إخوانه المسلمين، وينعكس إيجاباً على البيئة المحيطة بهم جميعاً، وينبغي التنبيه إلى أنّ إلقاء الأذى في طريق الآخرين فيه من الإثم والسيئات ما فيه؛ قياساً على أجر الإماطة والإحسان إلى الناس في ذلك.[١٠]


عدل كل ذلك ركعتي الضحى

ذكرت عدّة روايات لهذا الحديث أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عدّ أموراً كثيرة من قبيل الصدقات؛ ثم اختتم حديثه بأنّ ركعتي الضحى تجزئ كل هذه الصدقات التي تكون عن جميع مفاصل الجسم؛ ففي رواية مسلم: (ويجزئُ من ذلِك كلِّهِ رَكعتانِ منَ الضُّحى)؛[١١] وذلك لأنّ صلاة الضحى تعمل فيها جميع الأعضاء، وتُؤدي حق الله -تعالى- بالشكر على ما فيها من الصحة والقوة، كما أنّ صلاة الضحى صدقةً لغير المقتدر على هذه الأعمال التي أشرنا إليها.[١٢]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2989، صحيح.
  2. عبد المحسن العباد، شرح الأربعين النووية، صفحة 6، جزء 25. بتصرّف.
  3. عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 3، جزء 58.
  4. عبد الكريم الخضير، شرح الأربعين النووية، صفحة 14، جزء 13. بتصرّف.
  5. سورة فاطر، آية:10
  6. مصطفى العدوي، دروس للشيخ مصطفى العدوي، صفحة 15، جزء 17. بتصرّف.
  7. ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، صفحة 121، جزء 18.
  8. رواه الحاكم، في المستدرك، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:863، صحيح على شرط الشيخين.
  9. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 15، جزء 77. بتصرّف.
  10. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 37، جزء 3. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم:720، صحيح.
  12. ابن رسلان ، شرح سنن أبي داود، صفحة 382، جزء 6. بتصرّف.