روايات حديث (خذوا عنّي مناسككم)

ثبت هذا الحديث النبوي الصحيح بأكثر من صيغة، ونذكر أبرزهما فيما يأتي:

  • ما أخرجه الإمام مسلم

عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرْمِي علَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحْرِ، ويقولُ: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فإنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه).[١]

  • ما أخرجه الإمام النّسائي

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أَيُّها الناسُ خُذُوا عَنِّي مناسكَكم، فإني لا أَدْرِي لَعَلِّي لا أَحُجُّ بعد عامي هذا).[٢]


شرح حديث (خذوا عنّي مناسككم)

هذا الحديث النبوي الشريف حديثٌ جامعٌ لكلّ مناسك الحجّ بكلّ تفاصيلها، وهو نظير قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة: (صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)،[٣][٤] ومعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عنّي"؛ أي تعلّموا من فعلي والتزموا به وعلّموه للنّاس.[٥]


ويُبيّن جابر -رضي الله عنه- أنّه رأى النبيّ في حجّة الوداع يرمي جمرة العقبة، وذلك في يوم النحر، وكان في ذات الوقت يأمر الناس أن يتعلّموا منه مناسك الحج وما جاء به من الأقوال والأفعال، ويعلّموها لغيرهم.[٦]


ويظهر من هذا الحديث النبويّ الشريف أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اهتمّ بتعليم أمّته العبادات بجميع تفاصيلها، ففي الحجّ علّمهم كيفية الإحرام، وطواف القدوم والإفاضة، وكيفية استلام الحجر أثناء الطواف، وطريقة السّعي بين الصفا والمروة، وأهمية الوقوف بعرفة، بالإضافة إلى جميع مناسك الحجّ، ثمّ أمرهم أنْ يأخذوها عنه ويهتمّوا بها.[٧]


ويُلمس من هذا الحديث أيضاً حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على تمسّك أمّته بهدْيِهِ وسُنّته تأكيداً لقول الله -تعالى-: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ).[٨]


وفي قول النبيّ الكريم: (لَعَلِّي لا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتي هذِه)، إشارة يُفهم منها دنوِّ أجله وقُرب وفاته، وقد سُمّيت حجّة الرسول هذه بحجّة الوداع،[٩] حيث عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وما هي إلا أشهر معدودة حتى بدأ يشعر بألم الصّداع والحمّى، وتحديداً في أواخر صفر من السنة الحادية للهجرة، ولم يلبث بعد أن تمكّن منه الوجع سوى ثلاثة عشر أو أربعة عشر يوماً حتى فاضت روحه إلى خالقها.[١٠]


ما يُستفاد من حديث (خذوا عنّي مناسككم)

يُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف عدّة دروس ولطائف، ولعلّ من أهمّها ما يأتي:

  • أهمية الاقتداء بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والحرص على أن يكون حجّ المسلم موافقاً لهدي النبيّ الكريم حتى يكون حجّه مبروراً.[١١]
  • تعظيم قدر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في النّفوس، فقد كان أشدّ النّاس شفقة ورحمةً بأمّته، ولم يترك شيئاً إلا وحرص على تعليمه إياهم قولاً وعملاً، وأرشدهم إليه.
  • أهمية اتّباع سنّة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقد جاء الأمر بالصلاة في القرآن بشكلٍ مجمل، وبيّن النبيّ الكريم لنا ما يتعلّق بها من الأحكام والأركان والشروط والسنن، وكذلك الأمر في الحج.
  • أهمية دعوة الناس إلى الله وتعليمهم أمور دينهم، حيث كان النبيّ حريصاً على تعليم أمّته ما ينفعهم حتى قبل قرب وفاته، وحثّ المسلمين على تعلّم هذه المناسك وتعليمها للنّاس.



مواضيع أخرى:

حديث شد الرحال

شرح حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1297، صحيح.
  2. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:3062، صححه الألباني.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم:6008، صحيح.
  4. عبد الرحمن السعدي، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، صفحة 179. بتصرّف.
  5. الملا على القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، صفحة 1815، جزء 5. بتصرّف.
  6. "شرح حديث (خذوا عني مناسككم)"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2022. بتصرّف.
  7. "خذوا عني مناسككم"، الإمام، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2022. بتصرّف.
  8. سورة المائدة، آية:92
  9. النووي، شرح النووي على مسلم، صفحة 419، جزء 9. بتصرّف.
  10. صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 426. بتصرّف.
  11. عبد الكريم الخضير، شرح جوامع الأخبار، صفحة 22، جزء 9. بتصرّف.