حديث (إن لله أهلين من الناس)

أخرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ).[١]


شرح حديث (إن لله أهلين من الناس)

يُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث النبويّ الشريف عن فضل أهل القرآن الكريم المتعاهدين له؛ حيث وصفهم -صلى الله عليه وسلم- بأنّهم أهل الله -تعالى-؛ وكلمة "أهلِين" جمع أهل، كنايةً وتنبيهاً لكثرة هؤلاء المنشغلين بالقرآن الكريم عملاً وحفظاً وتطبيقاً، ولقد نسبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الله -تعالى- ليُبيّن أنّهم من أهله وأوليائه؛ المختصون به -سبحانه- كاختصاص أهل الإنسان به.[٢]


وقيل المراد بذلك أهل بيت الله -تعالى-، فقد كانوا يطلقون اسم أهل الله على أهل مكة المكرمة؛ تعظيماً لهم، كما يقال بيت الله، وبذلك فقد يكون المقصود الأهل الذين يسكنون بيوت الله -تعالى- المتعاهدين لكتابه،[٣] كما قيل إنّ هذه النسبة إلى الله -تعالى- إنّما على سبيل المجاز والتوسّع؛ فهم لمّا تعلقوا بكتاب الله -تعالى-، وأدوا حقّه؛ قربهم الله -تعالى- إليه، واختصّهم بخدمته، فكانوا كأنّهم أهله.[٤]


وينبغي التنبيه إلى أنّ المعنى المقصود بأهل القرآن الكريم؛ التالين لآياته، المطبقين لأحكامه، المتمثلين لأوامره، المنتهين عن نواهيه وزواجره، الوقّافين عند حدوده، المؤمنين بمتشابهه، العالمين بمحكمه، المتعظين بمواعظه؛ هؤلاء الذين يستحقون أن يكونوا من أهل الله -سبحانه- وخاصّته؛ وقد قال -تعالى- في كتابه عنهم: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)؛[٥] والتلاوة التي أشارت إليها الآية نوعين:[٦]

  • تلاوة حكميّة؛ وهي التي تكون بتنفيذ أحكامه، والعمل بأوامره، مع الإيمان والتصديق بما فيه؛ وهي المراد من الحديث.
  • تلاوة لفظيّة؛ وهي التي لا تتعدى مخارج الحروف والكلمات، والتي تقع من البرّ والفاجر؛ فلا يُقصد بها العبادة أو الإخلاص لله -تعالى-، ففي الحديث: (من قرأ القرآنَ، فليسألِ اللهَ به، فإنه سيجيءُ أقوامٌ يقرءونَ القرآنَ يسألونَ به الناسَ).[٧][٨]


لطائف يُشير إليها الحديث

بعد النظر في معنى الحديث، يمكن الإشارة إلى بعض اللطائف النديّة التي دلّ عليها، والتي يمكن تلخيصها على النحو الآتي:[٩]

  • فضل القرآن الكريم على صاحبه المتعاهد له؛ تلاوةً وحفظاً، وعملاً وتطبيقاً.
  • إنّ الله -تعالى- يتفضلّ على بعض عباده، ويلهمهم بأحسن الأعمال، وأفضلها؛ ليثيبهم عليها أعلى الدرجات، وبذلك يختصّهم على كثير من عباده.
  • إنّ قراءة القرآن الكريم على الوجه الذي يرضاه -سبحانه- من أفضل وأجلّ العبادات؛ لأنّ القرآن كلام الله -تعالى-.
  • وصف بعض الصالحين علاقة أهل القرآن الكريم بالقرآن؛ بأنّهم المحاطون المتحصنون به، الذين لا يُسلمهم القرآن إلى الشيطان، أو يُسلكهم غير طريق الهدى ورضا الرحمن؛ فهل يعقل أن يُسلم الإنسان أهله إلى أعدائه؟ وكذلك القرآن الكريم لا يُسلم أهله إلى غير الرشاد، والفلاح، والظفر بالخير والبركات، ومن سلّمه القرآن الكريم إلى غير ذلك؛ فليس هو من أهل القرآن، وليس هو ممن أخلص بصحبته وتلاوته وحفظه للقرآن.[٣]
  • التمسّك بالقرآن الكريم هو اقتسام لميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما قال بذلك عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.[١٠]
  • جعل بعض الصحابة القرآن الكريم علامة حب الله -جلّ وعلا-، وحبّ رسوله؛ حيث ينبغي للإنسان أن لا يسأل عن نفسه إلا بالقرآن الكريم.[١٠]

المراجع

  1. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:179، صححه المنذري والزرقاني والوادعي وقال الحاكم روي من ثلاثة أوجه عن أنس هذا أمثلها.
  2. محمد الأمين الهرري، شرح سنن ابن ماجه للهرري مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، صفحة 250، جزء 2. بتصرّف.
  3. ^ أ ب حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 62، جزء 7. بتصرّف.
  4. عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 495، جزء 2. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:121
  6. عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، شرح سنن ابن ماجة، صفحة 7، جزء 14. بتصرّف.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عمران بن حصين، الصفحة أو الرقم:2917، صحيح.
  8. أحمد حطيبة، شرح الترغيب والترهيب للمنذري، صفحة 4، جزء 22. بتصرّف.
  9. محمد بن علي بن آدم الأثيوبي، مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، صفحة 285، جزء 4. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ابن بطال، شرح صحيح البخاري، صفحة 266، جزء 10. بتصرّف.