نص وصحة حديث (إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه)

يجدر بالذّكر أنّ نصّ حديث: (إن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه) بهذه الصيغة هو حديثٌ ضعيف، حيث ضعّفه المحدّثون وأهل العلم، إلا أنّ معناه جاء بحديثٍ آخر أخرجه الترمذي، وصحّحه العديد من أهل العلم والمحدّثين، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ).[١][٢]


شرح حديث (إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم)

اقتضت حكمة الله -تعالى- أن تكون هذه الدنيا دار اختبارٍ وامتحانٍ للعباد فيها، حتى يعلم الله المؤمن الراضي والعاصي الساخط، ويبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث النبوي الشريف أنّ "عِظَمَ الجَزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ"؛ أي إنّ زيادة الابتلاءات والمِحن يزيد معها في المقابل الأجر والثواب والحسنات.[٣]


ويذكر النبي الكريم أنّ البلاء إذا قُوبل بالرضا دلّ على الخير بإذن الله، فليس كلّ بلاءٍ شر، بل بيّن النبي الكريم أحد أعظم أسباب هذه الابتلاءات، فقال: "وإنَّ اللهَ إذا أحَبَّ قومًا ابتَلاهم"؛ ذلك أنّ الله -سبحانه- يريد أن يرفع درجة عباده عنده بما يُصيبهم من المصائب والمِحن، وهذه بُشرى للمؤمن، وعلامةٌ على محبّة الله -تعالى- له، فلا يلزم من البلاء بغض الله لصاحبه، بل على العكس إذا سلّم المُبْتلى الأمر لله، ولم يسخط كان ذلك دليل خيرٍ له ورِفعةٍ وأجر.[٤]


ثمّ قال النبي الكريم: "فمَن رَضِي فله الرِّضا"؛ أي مَن صبر واحتسب ورضي أكرمه الله برضاه عنه وبالأجر والثواب في الآخرة، ولا يعني ذلك أنّ رضا العبد عن الله يسبق رضا الله عنه، بل لا يرضى بقضاء الله إلا مَن رضي الله عنه، قال -سبحانه-: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).[٥][٦]


أمّا مَن قابل الابتلاء والمصيبة بالسّخط والضجر وعدم الرّضا والتسليم قابله الله بمثل ذلك، فكما سخط على قدر الله، ووقعت منه أفعال تُنافي الإيمان بالله -تعالى-؛ فكذلك الله يغضب عليه، ويُحاسبه على ذلك يوم القيامة إن لم يتب ويرجع إليه، وهذا يعني أنّ الابتلاءات امتحانٌ يمحّص الله به عباده، فيكون رِفعةً وكفَّارةً لأهل الإيمان، وعقوبةً وشِدَّةً وحِرماناً من الأجر لأهل العصيان.[٦]


أحاديث أخرى مشابهة عن البلاء

أوضحنا في الشرح السابق أنّ البلاء يكون مِنحةً ودليل خيرٍ لأهل الإيمان، وعقوبةً وغضباً لأهل العصيان، ومن الأحاديث التي تؤكّد على هذه المعنى:

  • كلّما كان العبد أقرب إلى الله اشتدّ بلاؤه

ولكن في المقابل يزداد إيماناً، ويُصبّره الله -تعالى- ويشدّ من أزره حتى يلقاه، ويدلّ على ذلك ما ثبت عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عندما قال: (... قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشَدُّ بَلاءً؟ قالَ: الأنبِياءُ، قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ قالَ: ثُمَّ الصَّالِحون...).[٧]


  • الابتلاء سببٌ لزيادة مرتبة ودرجات العبد في الجنة

والله -تعالى- يُعين صاحبه على الصبر، ويدلّ على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد إذا سبقتْ له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغهَا بعملهِ؛ ابتلاهُ الله في جسدِهِ أو في مالهِ أو في ولدِهِ، ثم صبَّرهُ على ذلكَ حتى يبلِّغه المنزلة التي سبقتْ لهُ من اللهِ تعالى).[٨]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2396، حسنه الألباني.
  2. "رتبة حديث: إذا أحب الله قوما ابتلاهم"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2023. بتصرّف.
  3. عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 65، جزء 7. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين، صفحة 259، جزء 1. بتصرّف.
  5. سورة المائدة، آية:119
  6. ^ أ ب "شرح حديث (إنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم)"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 22/2/2023. بتصرّف.
  7. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:8060، صحيح على شرط مسلم.
  8. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن اللجلاج بن حكيم السلمي والد خالد، الصفحة أو الرقم:3090، صححه الألباني.