نص حديث احفظ الله يحفظك

أخرج الإمام الترمذي في سننه قول ابن عباس -رضي الله عنه-: (كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا، قال يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ).[١]


شرح حديث احفظ الله يحفظك

أوتي النبيّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، فكان يتحدّث بالحِكم العظيمة البليغة في الكلام القليل، وكان يحرص على نصحِ أصحابه صِغاراً وكِباراً، ويُعلّمهم أمور دينهم ودنياهم، وسيتمّ بيان شرح هذا الحديث النبويّ الشريف فيما يأتي:


حفظ الله لعباده

كان عبد الله بن عبّاس -رضي الله عنه- هنا صبياً صغيراً لم يبلغ الحلم بعد، لذلك خاطبه النبيّ الكريم بالغلام، ثمّ أوصاه فقال: "احفظ الله يحفظك"؛ أي احفظ دينه وأوامره، واعبده وأطِع أمره، واجتنب نهْيَه، فإن فعلت ذلك سيحفظك هو -جلّ جلاله- في نفسك وأهلك ودينك ودنياك، ثمّ يؤكّد له النبيّ الكريم ذلك فيقول: "احفظ الله تجده تجاهك"؛ أي تجده معك في الإحاطة والحماية والحفظ والتأييد، فالجزاء من جنس العمل.[٢]


أهمية دعاء الله والاستعانة به

يوصي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ابن عباس -رضي الله عنه- بأن يجعل سؤاله ودعاءه واستعانته بالله العظيم وحده، فيقول: "إذا سألت فاسأل الله"؛ أي إذا سألت شيئاً من حاجاتك الدينية أو الدنيوية فاطلبها من الله -سبحانه-، فهو القادر على كل شيءٍ، وهو من يُسخّر لك مَن يُعينك على قضاء حاجاتك.[٣]


ثم قال: "وإذا استعنت فاستعن بالله"؛ أي إنّ القادر على نفعك هو الله -تعالى-، فاستعن به وحده، فهو القادر على إعانتك وإغاثتك، وإن ساعدك أحدهم فهو من تيسير الله لك، فالمُعين من النّاس لا ينفعك إلا بتقدير الله ومشيئته، أمّا المُعين الحقيقي فهو الله -سبحانه- الذي ندعوه في كلّ صلاةٍ فنقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).[٤][٣]


الاطمئنان بمعيّة الله لعباده

يحثّ النبيّ الكريم صاحبه بالتّوجّه دائماً إلى الله، ويُطمئنه فيقول له: لو أنّ الأمّة جميعها اتّفقت على أن يضرّوك بشيءٍ فلن يبلغك ويصل إليك شيئاً من ضررهم إلا ما قدّره الله -سبحانه-، ولو اتّفقوا على نفعك بشيءٍ لم يقدروا أن ينفعوك إلا بما كتبه الله -تعالى- لك، فليكن عندك يقين تامّ بأنّه لن يحصل في النّهاية إلا ما كتبه الله وقدّره لك، وإيصال النفع أو الضرّ إلى الإنسان لا يحصل إلا بمشيئة الله -تعالى- ولو اجتمع أهل الأرض على فعل ذلك، فوحِّد الله في مطلبك ومهربك، وهذا يذكّرنا بقول الله -تعالى-: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا).[٥][٦]


رُفعت الأقلام وجفّت الصحف

يُقصد بالأقلام هنا أقلام التقدير التي تكتب أقدار النّاس، والصّحف هي ما دُوِّن فيها مقادير المخلوقات وأقضيتهم، ويقول ابن الملك في شرح معنى رفع الأقلام وجفاف الصّحف:" فلا توضَع عليها الأقلامُ بعدُ بتدوين شيء آخر، وعبَّر عن سبقِ القضاء والقَدَر برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيهًا بفراغ الكاتب في الشاهد من كتابته".[٧]


ما يُستفاد من حديث احفظ الله يحفظك

يُستفاد من هذا الحديث النبويّ الشريف العديد من الحِكم والدّروس والعِبر، ومن أهمّها ما يأتي:

  • أهمية التوكّل على الله في كل أمر، وتفويض الأمور له -سبحانه-.
  • استشعار مراقبة الله لعباده، وبالتالي اجتناب نواهيه، وفعل ما أمر به على الوجه الذي يُرضيه.
  • استشعار عظمة الله -عز وجل- وتوحيده، والإقرار بعجز المخلوقات عن النّفع والإضرار، فكلّ ذلك لا يحصل إلا بمراد الله ومشيئته.
  • أهمية الدعاء واللّجوء إلى الله -تعالى- وحده، واليقين بقربه واستجابته ومعيّته لعباده المؤمنين.



مواضيع أخرى:

حديث نبوي يا غلام

حديث يا عبادي

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، صحيح.
  2. النووي، الأذكار للنووي، صفحة 410. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الكريم الخضير، شرح الأربعين النووية، صفحة 18، جزء 12. بتصرّف.
  4. سورة الفاتحة، آية:5
  5. سورة التوبة، آية:15
  6. "شرح حديث (احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ)"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 11/12/2022. بتصرّف.
  7. ابن الملك، شرح المصابيح، صفحة 440، جزء 5. بتصرّف.