نص حديث ويل للعرب

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن زينب أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه. وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ).[١]


شرح حديث ويل للعرب

يُخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن علامةٍ من علامات الساعة الكبرى؛ ألا وهي علامة ظهور يأجوج ومأجوج، وهم الذين بنى عليهما ذو القرنين سدَّاً كما جاء في سورة الكهف، ونبيِّن شرح هذا الحديث النبويّ فيما يأتي:


ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب

تُخبرنا زينب أمّ المؤمنين هي زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعاً وعلامات وجهه تُنذر بالخوف وحصول أمرٍ مكروه، وفي روايةٍ أخرى تقول إنّه استيقظ من نومه محمرّ الوجه فزِعاً، وكان يقول: "لا إله إلا الله"؛ تنبُّؤاً بأمرٍ مكروهٍ سيحدث، ولا نجاة للناس منه إلا بالاستعانة بخالقهم -تبارك وتعالى-، ثمّ قال: "وَيلٌ لِلعَربِ مِن شَرٍّ قدِ اقتَرَبَ"، والويْل كلمة تُقال عند المشقّة والعذاب أو الحزن والهلاك.[٢]


فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج

بيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سبب فزعه وخوفه، فقال: "فُتحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأجوجَ ومَأجوجَ"، والرَّدْم هو السدّ الذي بناه ذو القرنين على قوميّ يأجوج ومأجوج،[٣] ومثّل بيديه مقدار فتح الرّدْم للتقريب والتشبيه، فحلّق بإصبعيْه الإبهام والسبّابة وقال: "مِثلُ هذه"؛ أي إنّ الرّدم فُتح منه مثل هذا المقدار على سبيل التقريب بِوضْع إصبع السبّابة في وسط الإبهام وضمّها، ورغم أنّه جزءٌ بسيطٌ وصغيرٌ إلّا أنّه يُنذر عن اقتراب مجيء الشرّ وتهديده للعرب.[٤]


وإذا نظرنا إلى الآيات والأحاديث التي تتحدّث عن يأجوج ومأجوج وفسادهم وجدْنا أنّ فتنتهم عظيمة، ومن ذلك:

  • قول النّاس لذي القرنين أن يبني عليهم السدّ لعظيم فسادهم، قال -تعالى-: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا).[٥]
  • ظهورهم وانتشارهم في آخر الزمان، لقول الله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ* وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ).[٦]
  • يوحي الله -تعالى- إلى عيسى -عليه السلام- فيقول له: (إنِّي قدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إلى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِن كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ علَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ ما فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فيَقولونَ: لقَدْ كانَ بهذِه مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حتَّى يَكونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِن مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ اليَومَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فيُرْسِلُ اللَّهُ عليهمُ النَّغَفَ في رِقَابِهِمْ).[٧]


أنهلك وفينا الصالحون

بعد أن تحدّث النبيّ الكريم عن يأجوج ومأجوج سأَلَتْه زينب -رضي الله عنه- فقالت: "يا رَسولَ الله، أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالحونَ"؟ وكأنّها تستعجب خائفةً: كيف يُسلّط علينا العذاب وفينا المؤمنون الصالحون؟ فيقول لها النبي: "نعم، إذا كثر الخبث"؛ أي المعاصي، والفجور، والزّنا، والخمور، والشهوات، مع عدم مقاومة ذلك وإنكاره من قِبل الصالحين،[٨] وحينها ينزل الهلاك العام، فيعمّ المفسدين والمؤمنين، ويكون انتقاماً من المفسدين والضالين، وطهارةً ومغفرةً للمؤمنين، ثمّ يُبعث كلّ منهم على حسب نيّته.[٩]


ما يُستفاد من حديث ويل للعرب

يُستفاد من الحديث النبويّ عدّة دروسٍ وعِبر، ومن أهمّها:

  • أهمية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالعذاب يعمّ الناس الصالح فيهم والطّالح إذا كثر الفجور دون النهي عنه وإنكاره.
  • إثبات وجود يأجوج ومأجوج وتحذير الناس من فتنتهم في آخر الزمان.



مواضيع أخرى:

حديث عدد يأجوج ومأجوج

أحاديث آخر الزمان

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زينب أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3346، صحيح.
  2. "شرح حديث ويل للعرب"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2022. بتصرّف.
  3. أبو العباس القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، صفحة 207-208، جزء 7. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين لابن عثيمين، صفحة 438، جزء 2. بتصرّف.
  5. سورة الكهف، آية:94
  6. سورة الأنبياء، آية:96-97
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم:2937، صحيح.
  8. عبد الكريم الخضير، كتاب الفتن من صحيح البخاري، صفحة 1، جزء 2. بتصرّف.
  9. شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 16، جزء 17. بتصرّف.