نص حديث ويضع الجزية

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَما فِيهَا. ثُمَّ يقولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)).[١][٢]


شرح حديث ويضع الجزية

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مرشداً لأمّته إلى كل خيرٍ، وكان يحذّرهم من كل شرّ، ومن ذلك إخبارهم بعلامات الساعة وما سيحصل في آخر الزمان حتى يقوى إيمان مَن سيعاصرها، ولكي تُحسن أمّته التعامل معها، وفي هذا الحديث يُخبر عن إحدى هذه العلامات، وتوضيح ذلك فيما يأتي:


قرب نزول عيسى عليه السلام

أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن نزول سيدنا عيسى -عليه السلام- الذي سيكون في آخر الزمان، وهو إحدى علامات الساعة، فيقول: "لَيُوشِكَنَّ"، أي ليكوننّ، وليسرعنّ، وهذا يدلّ على اقتراب نزول عيسى -عليه السلام-، فقد رفعه الله -تعالى- إلى السماء، وسينزل في آخر الزمان منها حكماً عدلاً، ويحكم بشريعة النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-.[٣]


أعمال عيسى عليه السلام بعد نزوله

بعد أن أخبر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عن نزول عيسى -عليه السلام- حاكماً بالعدل وبشريعة الإسلام في آخر الزمان؛ أخبر عن أهمّ أعماله بعد ذلك، وتوضيح ذلك فيما يأتي:


يكسر الصليب

بيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّ عيسى -عليه السلام- سيكسر الصليب بعد نزوله، وكسره للصليب كناية على إبطال ما اعتقدوه فيه -عليه السلام-، حيث تزعُم النّصارى أنّ عيسى -عليه السلام- قد صُلِب عليه، ولكنّ الله -سبحانه- ردّ عليهم بقوله: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا).[٤][٥]


يقتل الخنزير ويضع الجزية

من أعمال عيسى -عليه السلام- بعد نزوله أيضاً قتله للخنزير؛ أي تحريم أكله على جميع النّاس، والأمر بقتله حتى يفنى،[٦] ثمّ قال النبيّ الكريم في الحديث: "ويضع الجزية"، ولأهل العلم عدّة آراءٍ في بيان معنى وضع عيسى -عليه السلام- للجزية، ونذكرها فيما يأتي:[٧]

  • قيل: يفرضها على النصارى، ويُلزَموا بإعطائها.
  • قيل: لا يقبلها، بسبب استغناء النّاس عنها بعد أن أخرجت الأرض لهم الأرزاق وفاض المال بينهم.
  • قيل: يحمل اليهود والنصارى على الإسلام، فيدخلونه، فتسقط عنهم الجزية.


كثرة المال وإيمان أهل الكتاب آخر الزمان

سيفيض المال وتكثر البركات والخيرات في آخر الزمان حتى يستغني جميع النّاس، وهذا بسبب عدل عيسى -عليه السلام- وعدم الظلم في زمانه، وستخرج الكنوز من الأرض، وتقلّ رغبة الناس بالأموال، لعلمهم باقتراب قيام الساعة، فيكون السجود حينئذ عند الناس خيراً من الدنيا وما فيها.[٣]


وقد قرأ أبو هريرة -رضي الله عنه- في آخر الحديث آيةً تُصدّق حديث النبيّ الكريم عن نزول عيسى -عليه السلام-، وهي قول الله -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)،[١] وهذا يعني أنّه لن يبقى أحدٌ من أهل الكتاب إلا ويؤمن بالله في آخر الزمان قبل وفاة النبيّ عيسى -عليه السلام-.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة النساء، آية:191
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3448، صحيح.
  3. ^ أ ب ت ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، صفحة 554، جزء 14. بتصرّف.
  4. سورة النساء، آية:157-158
  5. "شرح حديث نزول عيسى عليه السلام"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 30/1/2023. بتصرّف.
  6. شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 159، جزء 7. بتصرّف.
  7. بدر الدين الدماميني، مصابيح الجامع، صفحة 109-110، جزء 5. بتصرّف.