شرح حديث هلك الناس

نص حديث هلك الناس

نهى الله -عز وجل- عن الكِبْر واحتقار النّاس، أو العجب بالنّفس والترفّع على خلقه، أو تيئيسهم من رحمته ومغفرته، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ).^[١]

شرح حديث هلك الناس

يذمّ هذا الحديث النبوي الشريف مَن يفتري على النّاس ويحكم بفسادهم وهلاكهم تكبُّراً بنفسه واستصغاراً بهم، ونذكر شرحه فيما يأتي:^[٢]

• إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ

يُخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن المرء الذي يقول على سبيل الإعجاب بنفسه والاحتقار من الناس وتقليل شأنهم: "هلك الناس"؛ أي استوجبوا لعقاب الله وغضبه وسخطه.

• فَهو أهْلَكُهُمْ

رُويت كلمة أهلكهم مرَّةً بضمّ الكاف ومرَّةً بفتحها، والضمّ أشهر، وأمّا معناه بالضمّ -فهو أهلكُهم-: أي هذا الإنسان الذي يحكم على خلق الله بالعقاب والعذاب هو أسبقهم إلى هذا العقاب، وهو أحقُّهم بذلك؛ لأنّه تكبّر عليهم ووقع في نفسه الإعجاب بصلاحه، أما معناها بالفتح -أي أهلكَهم-: فتعني أنّه تسبّب بهلاكهم؛ لأنّه ينشر اليأس والقنوط من رحمة الله في نفوسهم بسبب قوله.

ويُعلّق الخطّابي على هذا الحديث فيقول: لا يزال الرجل يستهزئ بالناس، ويُظهر مساوئهم، ويعيب أفعالهم وأخلاقهم، ويحكم عليهم بالفساد والهلاك، وإذا فعل ذلك فهو بالحقيقة أسوؤهم حالاً، لِما سيلحقه من الإثم على قوله وتكبّره والوقوع في غيبتهم،^[٣] ويرى أهل العلم أنّ هذا القول من الافتراء على الله، فمن الذي جعل هذا القائل يحكم بهلاك الناس وكفرهم وفسادهم؟! لذلك فهو بقوله هذا أضلّ الناس وأبعدهم عن الصّواب.^[٤]

حكم قول هلك الناس

اتّفق أهل العلم على أنّ الذمّ الوارد في الحديث يتعلّق بمن قال ذلك على سبيل الاستهزاء بالناس، وازدرائهم، واحتقارهم، والعجب بنفسه، وتفضيلها عليهم، فمَن قالها على هذا النحو لحقه الإثم، أمّا من قال ذلك حزناً لِما يراه من التقصير في أمور الدين من نفسه ومن عموم الناس فلا بأس بذلك، ولا يؤثم، وكذلك مَن قال هذه المقولة مقارنةً بما كان عليه حال الصحابة ومن تبعهم من الصالحين.^[٥]

ويدلّ على ذلك ما نقله بعض أهل العلم عن الإمام مالك -رحمه الله- بما معناه: "إذا قال ذلك تحزناً لما يرى في الناس -يعني في وضع المسلمين- تحزُّناً يعني من أمر دينهم فلا بأس، أما إذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس، فهذا المكروه الذي نُهي عنه".^[٦]

وأضاف ابن باز -رحمه الله- فقال: ينبغي لمن يقولها تحزُّناً أنْ لا يشمل جميع النّاس، بل يقول مثلاً: هلك الأكثر، دون أن يعمّ ويقصد في كلامه جميع النّاس، لأنه لا يجوز التعميم، لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ).^[٧][٨]

ما يُستفاد من حديث هلك الناس

يُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف العديد من الدروس والعبر، ومنها:

• مراجعة النّفس، ومحاسبة تقصيرها، وتذكيرها بالتواضع.
• النهي عن التكبّر والإعجاب بالنفس وتفضيلها على خلق الله.
• النهي عن القنوط واليأس من رحمة الله، أو نشر ذلك بين الناس.

مواضيع أخرى:

حديث يا طاعون خذني

أحاديث عن الظلم