حديث (صنائع المعروف تقي مصارع السوء)

أخرج الطبراني في كتابه المعجم الأوسط؛ عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ).[١]


شرح حديث (صنائع المعروف تقي مصارع السوء)

حثّ الإسلام على أعمال البرّ التي تعود على المسلم بالنفع والثواب، وتعود على المجتمع الإسلاميّ بالتعاون والألفة؛ وفي هذا الحديث يُشير النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عدد من الطاعات التي تجلب الخير للمسلم في دنياه وآخرته؛ وفيما يأتي بيان هذه الطاعات وفق ورودها في الحديث:


صناعة المعروف

يُعدّ المعروف اسماً جامعاً لكل ما عُرف من طاعة الله -سبحانه-، بنيّة التقرّب إليه، والإحسان إلى خلقه، وهو يشمل فعل كل ما ندب إليه الشرع من الأعمال الحسنة، وترك كل ما نهى عنه من الأعمال السيئة المستقبحة؛ وكل ما فُعل على هذا الأساس كان له عظيم الأجر والثواب.[٢]


وفي الحديث بيان بعض الأجر المرتب على فعل المعروف؛ ومن ذلك:[٢]

  • الوقاية من المهلكات والآفات،[٣] مما لا تُحمد عاقبتها؛ كالفقر الشديد، والألم المقلق، والأوجاع والهموم، ومما قد يُفضي بالإنسان إلى كفران النعم، ونسيان الذكر، والانشغال بالهمّ، ونحو ذلك من الأحوال.[٤]
  • مماثلة أجر المعروف بأجر الصدقة وبذل الأموال.
  • المجازة على المعروف بالآخرة بأفضل مما أدّاه للناس؛ فيكون أهلاً للمعروف بالدنيا، وأهلاً للثواب الجزيل في الآخرة.
  • رُوي عن ابن عباس أنّ أصحاب المعروف يوم القيامة يُغفر لهم بمعروفهم وإحسانهم للناس في الدنيا، وتبقى حسناتهم في أعمالهم الأخرى كثيرة فائضة؛ فيعطونها لمن زادت سيئاتهم عن حسناتهم؛ فيُغفر لهؤلاء أيضاً، ويدخلون الجنّة، وبذلك يكون أهل المعروف أهلاً له في الدنيا، وأهلاً له في الآخرة.
  • قال بعض أهل العلم أنّ أهل المعروف يشفعون لغيرهم يوم القيامة ممن أذن الله -تعالى- له بالشفاعة؛ فيأمنون على أنفسهم من العذاب بالإحسان، وعلى غيرهم بالشفاعة.


صدقة السّر

بيّن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- أن ستر الصدقة، وإعطاءها لمستحقيها خُفيّة دون امتنان أو تفاخر، أو تباهٍ واستعظام، ودون إشاعتها والإعجاب فيها؛ سبباً لإطفاء غضب المولى -سبحانه-؛ وقد حمل بعض أهل العلم إطفاء غضب الرب -جلّ وعلا- على منع إنزال المكروه في الدنيا، وتعظيم العقوبة في الآخرة.[٤]


وقد عبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك بقوله: (... وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ...)، وهذا تعبير أبلغ وأعظم؛ حيث نفى -عليه السلام- حصول المكروه وهو الغضب؛ ليثبت حصول حُسن العاقبة، والجزاء في الدنيا والآخرة.[٤]


صلة الرحم

تعدّ صلة الرحم من أجلّ وأحبّ الأعمال عند الله -تعالى-؛ فقد ثبت في ثوابها العديد من النصوص الشرعيّة، التي تؤكد على أنّ صلة الرحم تزيد في العمر، وتبارك في الرزق؛ ومعلوم أنّ الأقدار والأعمار مقدّرة من الله -تعالى-، فقد قال -سبحانه- في كتابه العزيز: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)؛[٥] ويمكن الجمع بين ما ورد في هذه الآية الكريمة، وما ورد في الحديث الشريف بالآتي:[٦]

  • إنّ الزيادة في العمر تكون بزيادة البركة فيه، والتوفيق إلى الطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفع المسلم في آخرته، وصونه عن الضياع والانشغال بما لا ينفع؛ وهذا ما رجّحه جمعٌ من أهل العلم.
  • إنّ الزيادة تكون بحسب ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ من المحو والإثبات؛ قال -تعالى-: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)،[٧] فقد يظهر عُمر إنسان ما للملائكة الكرام في اللوح المحفوظ ستون سنة، فإن وصل رحمه زِيد له به، فوافق بذلك علم الله -تعالى- الأزليّ وتقديره.
  • إنّ الزيادة تكون بالذكر الحسن بعد الموت؛ فالأثر الجميل الذي يتركه واصل الرحم يكون كالزيادة في عمره بذكر الناس له، وحضوره بينهم وإن كان غائباً بجسده عنهم.

المراجع

  1. رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن أم المؤمنين أم سلمة، الصفحة أو الرقم:6086، صححه الألباني.
  2. ^ أ ب حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 416-417، جزء 5. بتصرّف.
  3. الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير، صفحة 607، جزء 6. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت الطيبي، شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن، صفحة 1551، جزء 5. بتصرّف.
  5. سورة الأعراف، آية:34
  6. حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 512-513، جزء 10. بتصرّف.
  7. سورة الرعد، آية:39