شرح حديث (تهادوا تحابوا)
أخرج البخاري في الأدب المفرد قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَهادُوا تَحابُّوا)،[١] والهدية هي ما قُصِد منها التودّد والتآلف والمحبّة، وقد قال الفقهاء: "الهدية ما قصد بها إكرامًا وتوددًا"،[٢] وتهادوا: أي تبادلوا بينكم الهدايا، أمّا تحابّوا فمعناها: تحصل بينكم الألفة والمودّة والمحبّة بسبب هذه الهدايا الطيّبة.[٣]
والهدية خلقٌ جميلٌ من الأخلاق الإسلامية، تحلّى به الأنبياء، وحثّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّ الهدية تؤلّف بين القلوب، وتزيد المحبّة، وتنفي غوائل الصدور،[٤] وتجبر الخواطر، وتوثّق الروابط، وترقّ بها النفوس، وتبعث على الأنس والمودّة، وتفتح مغاليق القلوب، وتُزيل الوحشة والجفاء، وتصل المقطوع، وتُقرّب البعيد، لذلك فهي سنَّةٌ مستحبّة.[٥]
ولا يُشترط أن تكون الهدية شيئاً ثميناً، بل يكفي أن تُعبّر عن المحبّة والمودّة وإن كانت يسيرة، لأنّ قيمتها المعنوية أهمّ وأعظم عند المُهدى إليه من قيمتها المادية، ولذلك كان بعض التّابعين يقولون لأصحابهم عندما يُرسلون لهم الهدية: "نعلم غناك عن مثل هذا، وإنما أرسلنا ذلك لتعلم أنك منا على بال".[٦]
ويُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف فضيلة التهادي بين النّاس، فهي سببٌ للإخاء وتوثيق العلاقات، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال اللهُ عزَّ وجلَّ: وجَبَتْ مَحَبَّتي للمُتحابِّينَ فِيَّ، والمُتَجالِسينَ فِيَّ، والمُتباذِلينَ فِيَّ، والمُتَزاوِرينَ فِيَّ).[٧][٨]
صحة حديث (تهادوا تحابوا)
أخرج هذا الحديث البخاري في الأدب المفرد بإسنادٍ حسن، حيث ألّف هذا الكتاب ولم يلتزم فيه بشروط الحديث الصحيح أو بما التزم به في كتابه الجامع الصحيح،[٩] وكان يورد فيه أحاديث كثيرة عن الأخلاق والآداب، كأحاديث بر الوالدين، والرفق بالضعيف، والجوار، وما يرقّق النفس ويُهذّبها، ويربط بين المسلم وخالقه بالدعاء ونحوه.[١٠]
وعند البحث عند تخريج الحديث نجد أن الألباني حسّنه، وقال شعيب الأرناؤوط: "حسن بشواهده"، وحكم عليه العديد من المحدّثين بالتحسين،[١١] وقال عنه ابن حجر: "سنده حسن"، وقال العراقي: "السند جيد"،[١٢] وللحديث شواهد عديدة، فقد رُوي عن عائشة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهم-.[١٣]
أحاديث أخرى تحثّ على الهدية
الهدية مُستحبَّةٌ في الإسلام، فقد جاء في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تحثّ عليها، وتُبيّن أن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل الهدية ويُهدي غيره، ومن أبرز ما يدلّ على ذلك ما يأتي:[١٤]
- ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْبَلُ الهَدِيَّةَ ويُثِيبُ عَلَيْهَا).[١٥]
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ دُعِيتُ إلى ذِراعٍ أوْ كُراعٍ لَأَجَبْتُ، ولو أُهْدِيَ إلَيَّ ذِراعٌ أوْ كُراعٌ لَقَبِلْتُ).[١٦]
- أوصى النبي الكريم النساء فقال: (يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها، ولو فِرْسِنَ شاةٍ).[١٧]
وكما حثّ النبيّ الكريم على الهدية حذّر أيضاً من الرجوع فيها، أي طلب إعادتها بعد إعطائها لصحابها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (العائِدُ في هِبَتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ)،[١٨] فشبّه مَن يُعطي الهدية ثمّ يطلبها بمَن يَقِيء ثمّ يرجع إلى قيئه؛ للتنفير من هذا الفعل، ويدلّ على أنّه فعلٌ مذموم، لأنّ القيء مستقذر، فكيف بمن يرجع إليه؟! إذْ لا تقبله النفوس.[١٩]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في الأدب المفرد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:594، حسنه الألباني.
- ↑ عبد الله البسام، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، صفحة 126، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ عبد القادر الحمد، شرح بلوغ المرام، صفحة 112، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 271، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ "تَهَادُوا تَحَابُّوا"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2023. بتصرّف.
- ↑ "تهادوا تحابوا"، إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:7520، صحيح على شرط الشيخين.
- ↑ محمد بن علي بن حزام البعداني، فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام، صفحة 232، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ عبد القادر الحمد، شرح بلوغ المرام، صفحة 112، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ "تَهَادُوا تَحَابُّوا"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2023. بتصرّف.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 9، جزء 402. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 271، جزء 3.
- ↑ عبد الله البسام، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، صفحة 126، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ "حكم الهبة والعطية"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 10/8/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2585، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2568، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2566، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2621، صحيح.
- ↑ عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 12، جزء 402. بتصرّف.