صحة حديث (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه)
أخرج الطبراني وأبو يعلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ)،[١] وهذا الحديث صحّحه الألباني لأنّ له العديد من الشواهد،[٢] بينما ضعّفه العديد من المحدّثين، فقد حكم السيوطي وغيره عليه بالضعف لأنّ في سنده بشر بن السري، وهو ضعيف، وفيه مصعب بن ثابت حكم عليه ابن حبان بالثقة، بينما ضعّفه مجموعة من المحدّثين، ويرى أهل العلم أنّ معنى الحديث صحيحٌ وإن لم يرق إلى الصحّة، فإتقان العمل مستحبٌّ في الشريعة الإسلامية.[٣]
شرح حديث (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه)
قيل إن المراد بالعمل في الحديث النبوي الشريف العمل الدنيوي أن الأخروي، فهو يشمل الاثنين، وقيل: يُراد به العمل للآخرة، أمّا قول النبي الكريم: "فليتقنه"؛ فيعني أن يؤدّيه على أكمل وجه ويُحكمه،[٤] ومن معاني الإتقان التحسين والتكميل،[٥] ويُراد من إتقان العمل أيضاً الإخلاص فيه بحسب ما يقتضيه العمل، وأن يقصد صاحبه في ذلك رضا الله -تعالى- ونفع خلقه.[٦]
وهذا الحديث يوافق العديد من النصوص الشرعية التي تحثّ على الإتقان والإحسان في العمل سواء كان دنيوياً أم تعبدّي، وقد قال -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[٧] وقال بعض السّلف: "لا يكن همُّ أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همه في إحكامه وتحسينه، فإن أحدكم قد يُصلي وهو يعصي الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه".[٨]
من الأمثلة على الحث على إتقان العمل في الشرع
حثّ الإسلام على الإحسان في العمل وإتقانه في كافّة المجالات، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:[٨]
- إتقان الوضوء
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِن جَسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِن تَحْتِ أَظْفَارِهِ).[٩]
- إتقان الصلاة
كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول للرجل المسيء في صلاته بسبب سرعته فيها وعد إتقانها: (ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ).[١٠]
- إتقان الصيام
ويكون ذلك بصون البطن عن الطعام، والجوارح عن المحرّمات، ولذلك كان جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يقول: "إذا صمت فليَصُم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم،... ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك سواء".
- الإتقان في إخراج الزكاة
ويكون ذلك بإخراجها من أفضل المال في وقتها لمستحقّيها، لقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ).[١١]
- إتقان الحج
ولذلك يقول الله -سبحانه-: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ).[١٢]
- الإتقان في تربية الأبناء
ويدلّ على ذلك قول النبي الكريم: (ما مِن عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَومَ يَمُوتُ وهو غاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ).[١٣]
- الإتقان في العمل الدنيوي
دعت النصوص الشرعية إلى الأمانة في العديد من المواطن، ولا شكّ أنّ العمل من الأمانة التي سيسأل الله -تعالى- عنها عباده يوم القيامة.
فوائد من حديث (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه)
يُثاب المسلم على إتقان عمله ويؤجر على ذلك، لأنّ إتقان العمل وإحسانه من الأمور التي حثّت عليها الشريعة الإسلامية،[١٤] كما أنّ التقصير المتعمّد في العمل يُحاسب عليه المرء، ويُعتبر من غشّ الأمانة التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا)،[١٥] والإتقان والإخلاص في العمل مطلوبٌ قبل البدء به، وفي أثنائه، وبعد القيام به.[١٦]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1880، حسن.
- ↑ "رتبة حديث "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه""، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 12/6/2023. بتصرّف.
- ↑ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة، صفحة 256، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير، صفحة 148، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ الصنعاني، التنوير شرح الجامع الصغير، صفحة 378، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 286، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:195
- ^ أ ب د. شريف سلطان، "الإتقان والإحسان في العمل"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 12/6/2023.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم:245، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6667، صحيح.
- ↑ سورة البقرة، آية:267
- ↑ سورة البقرة، آية:196
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن معقل بن يسار، الصفحة أو الرقم:142، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 3244، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:101، صحيح.
- ↑ عبد الله الرحيلي، طريقك الى الإخلاص والفقه في الدين، صفحة 42. بتصرّف.