نصّ حديث يكفيك صاع

روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أنَّه كانَ عِنْدَ جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ هو وأَبُوهُ وعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنِ الغُسْلِ، فَقالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ، فَقالَ رَجُلٌ: ما يَكْفِينِي، فَقالَ جَابِرٌ: كانَ يَكْفِي مَن هو أوْفَى مِنْكَ شَعَرًا، وخَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ أمَّنَا في ثَوْبٍ"،[١] وفي روايةٍ أخرى تحمل ذات المعنى أوردها البخاري، أنّ الحسن سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "كيفَ الغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ؟ فَقُلتُ: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أكُفٍّ ويُفِيضُهَا علَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ علَى سَائِرِ جَسَدِهِ. فَقالَ لي الحَسَنُ: إنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ، فَقُلتُ: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا".[٢]


شرح حديث يكفيك صاعٌ

كان الصحابة -رضي الله عنهم- شديدي الحرص على تعلّم أحكام الدين وتعليمها لمن بعدهم، ومن بين هذه الأحكام: أحكام الوضوء والغسل، ومن ذلك أنّ جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- سُئل عن كيفيّة الغسل من الجنابة، والجنابة هي نزول المنيّ لجِماعٍ أو احتلامٍ؛ فأجاب أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يجمع الماء في كفّه ثلاث مراتٍ ويفيضه على رأسه وسائر جسده، فرأى السائل أنّ هذا المقدار من الماء المستعمل في الغسل قليلٌ؛ لكونه كثيف شعر الرأس؛ فأجاب جابر -رضي الله عنه- بأنّ ثلاثة أكفٍّ من الماء كانت تكفي النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وقد كان غزير شعر الرأس، وفي الرواية الأخرى أنّ جابر أجاب السائل بأنّه يكفيه صاعٌ في الغسل، والصاع هو أربع أمدادٍ، والمُدّ يعادل ملء الكفّ؛ أي أربع حفناتٍ بكفّ الرجل متوسّط اليدين،[٣] وهذا المقدار كان يكفي النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مع وفرة وكثافة شعره، ومعنى قول الراوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "ثمّ أمّنا في ثوبٍ واحدٍ"؛ أنّ جابر -رضي الله عنه- صلى بهم إمامًا في الصلاة مرتديًا ثوبًا واحدًا، وكان -رضي الله عنه- يفعل ذلك؛ لبين لهم جواز صلاة الرجل برداءٍ واحدٍ يلفّه على جسده.[٤][٥]


المعاني المستفادة من حديث يكفيك صاعٌ

يُستفاد من الحديث الشريف سابق الذكر معانٍ عديدةٌ، منها:[٤][٥]

  • حرص التابعين على التعلّم من الصحابة -رضي الله عنهم- والاستفادة منهم، حيث كان التابعين يسألون الصحابة ويحضرون مجالسهم ليتعلموا منهم.
  • الحثّ على الاقتصاد في الماء، وعدم الإسراف في استعماله.
  • بيان الحديث لصفة شعر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- المتّسم بالطول والكثافة.
  • في بيان وتحديد قدر الماء المستعمل في الغسل؛ وقايةٌ من الوسواس إلى قد يصيب البعض في الغسل والوضوء.


أحاديث أخرى في مقدار غسل ووضوء النبيّ

وردت أحاديث أخرى في مقدار غسل ووضوء النبيّ، ومنها ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه: "كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَتَوَضَّأُ بالمُدِّ، ويَغْتَسِلُ بالصَّاعِ، إلى خَمْسَةِ أمْدادٍ"؛[٦] فالحديث الشريف يفيد أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يتوضأ بالمدّ؛ وهو وحدةٌ قديمةٌ للكيل من الفقهاء من قدّرها بملء الكفّ، ويغتسل بالصّاع؛ وهو -كما سبق- مكيالٌ يساوي أربعة أمدادٍ؛ فكان -عليه الصلاة والسلام- يغتسل بأربعة أمدادٍ؛ أي ملء كفّيه بالماء أربع مراتٍ أو خمس مراتٍ.[٧]


المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:252، صحيح.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:256، صحيح.
  3. "تعريف ومعنى صاع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 28/10/2021.
  4. ^ أ ب عبد الرحمن بن عبد الله السحيم، "شرح الحديث الـ 39 في مقدار الماء المغتسل به"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 28/10/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب الموسوعة الحديثية، "شرح حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 28/10/2021. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:325، صحيح.
  7. الموسوعة الحديثية، "شرح حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 28/10/2021. بتصرّف.