نص حديث يدع شهوته

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "يقول الله عزّ وجلّ: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة وللصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".[١]


شرح حديث يدع شهوته

معاني المفردات

فيما يلي بيانٌ لمعاني ألفاظ الحديث:[٢]

  • يضاعِف: أي تكون الحسنة فيه بعشرة أمثالها وحتى سبع مِئة ضعف.
  • أنا أجزي به: أي أنّ ثوابه لا يعلمه العبد، فالله هو الذي يتولّى ذلك الأجر والثواب.
  • شهوته وطعامه: أي ما تشتهيه نفس العبد من مَلذَّات الطعام والشراب وغيرها.
  • خَلُوف فيه: هو ما يُخلَّف بعد الطّعام في فَم الصائم من رائحةٍ كريهةٍ.


المعنى الإجمالي للحديث

إنّ الصيام من أحبّ العبادات إلى الله تعالى، وأجلّ القُربات التي يتقرّب بها العبد إلى خالقه سبحانه وتعالى؛ فالصّيام سرّ بين العبد وربه لا يستطيع أن يطلع عليه أحد غيره عزّ وجلّ؛ ولذلك اختصّه -سبحانه وتعالى- له من بين سائر الأعمال، فالصّوم مُستثنى من العبادات التي يقوم بها الإنسان ومميَّزٌ عنها، ومضاعفة الحسنات على الصيام مختلفةٌ عن مضاعفتها في سائر العبادات، كما أنّ أجر الصوم لا يقدّر قَدره إلا الله سبحانه وتعالى؛ فهو وحده يتولّى ذلك الأجر والثواب، وفي هذا دلالةٌ على عِظم هذا الأجر والثواب، ذلك أنّ العبد الصائم يحمّل نفسه مشقّة الصيام، فيصبر عن الطعام والشراب والجِماع، ويصبر عن معصية الله عزّ وجلّ؛ فيتجنّب اللّغو والرفث والزور وغير ذلك من ممّا حرّمه الله؛ فقد يصيب المسلم أثناء صومه من الكسل والملل والعطش ما يتألّم ويتأذى به، ولكنّه يصبر مرضاةً لله -عزّ وجلّ- وطمعًا في نيل محبّته وثوابه.[٣]


يقول القُرطبي في تفسيره: "وإنما خصَّ الله -سبحانه وتعالى- الصَّوم بأنّه له، وإن كانت العبادات كلّها له لأمرين باين الصوم بهما سائر العبادات:

أحدهما أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات، والثاني: أن الصوم سر بين العبد وبين ربه، ولعلّ هذا أظهر، لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصا به، وما سِواه من العبادات ظاهر، فلربما فعله تصنعاً ورياء فلهذا صار أخصّ بالصَّوم من غيره"،[٤] والصيام سببٌ لسعادة المؤمن في الدنيا والآخرة؛ لأنّ الصّائم يدخل عليه السرور عندما يفطر، وذلك بفرحته بنعمة الله تعالى بأن منّ عليه وأعانه على إتمام صيامه، وأن زال جوعه وعطشه وتعبه وهذا فرح طبيعيٌّ فطريّ لا ينقص من أجر الصيام، وفرحته الثانية عند لقاء ربّه في اليوم الآخر؛ وذلك بما يراه من عظيم الجزاء من الله -عز وجل- حين يلقاه، وفي الإخبار بفرحه وسعادته يوم القيامة بشارة له بدخول الجنَّة بإذن الله تعالى،[٥] ومن ثواب الصائم الذي أشار له الحديث؛ أنّ الله تعالى يجازيه في الآخرة بدل خلوفه؛ أي رائحة فمه وهو صائمٌ بأن تكون رائحته أطيب من رائحة المسك.[٦]


ما يرشد إليه الحديث

يُرشد الحديث الشريف إلى الحثّ على الصيام؛ وذلك لعظم ثواب الصائم المذكور في الحديث، والأجر الكبير الذي خصّ الله تعالى به عبادة الصيام، وأنّه من أحبّ العبادات وأجلّ القربات عند الله تعالى.[٢]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7492، صحيح.
  2. ^ أ ب "حديث يدع شهوته"، الموسوعة الحديثية الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13/11/2021. بتصرّف.
  3. البغوي، كتاب شرح السّنّة، صفحة 224. بتصرّف.
  4. عبدالكريم الخضير، كتاب شرح زاد المستنقع، صفحة 7. بتصرّف.
  5. سعيد بن وهف القحطاني، كتاب الصيام في ضوء الكتاب والسّنّة، صفحة 18. بتصرّف.
  6. بدر الدين العيني، كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري، صفحة 258. بتصرّف.