نص حديث والصبر ضياء
وردت عبارة: "والصبر ضياء" في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالكٍ الأشعري -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها).[١]
شرح حديث والصبر ضياء
معاني مفردات الحديث
فيما يأتي بيانٌ لأبرز معاني مفردات الحديث:[٢]
- الطهور: الوضوء.
- شطر: شطر الشيء نصفه.
- برهان: دليلٌ.
- ضياء: حجَّةٌ.
- يغدو: الغدو السير أول النهار، ويغدو أي يبكّر.
- مُعتقها: منقذها.
- موبقها: مُهلكها.
المعنى الإجمالي للحديث
كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يوصي أصحابه -رضي الله عنهم- ويرشدهم والمسلمين من بعدهم إلى ما ينفعهم، ويصلح حالهم في الدنيا والآخرة، وفي هذ الحديث يُذكرّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- جملةً من الأفعال؛ منبِّهًا إلى فضلها، وعِظم أجرها، فبدأ بالوضوء وأنّه نصف الإيمان؛ أي أجره نصف أجر الإيمان، وقيل إنّ المراد بذلك أنّ الإيمان طهارةٌ وتزكيةٌ وتنقيةٌ للقلب، والوضوء طهارةٌ وتنقيةٌ للجسد وأعضائه.[٢]
ثمّ يُذكر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بثواب تسبيح الله -تعالى- وحمده؛ بأنّ أجرهما وثوابهما يملأ ما بين السماء والأرض؛ لعظمه، فالتسبيح تنزيهٌ لله -تعالى- عمّا لا يليق به من صفات النقص، والحمد شكرٌ لله -تعالى- وإثباتٌ لصفات الكمال فيه؛ لأنّ الحمد يكون على صفات الكمال، كما ذكّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بجملةٍ من العبادات واصفًا فضلها؛ فذكّر بالصلاة، وأنّها نورٌ؛ ذلك أنّ المسلم إذا أدّى الصلاة على الوجه التي أمر الله -تعالى- وبإخلاصٍ وقلبٍ حاضرٍ؛ فإنّ هذه الصلاة تنعكس نورًا في قلبه، وعلى وجهه وتكون له نورًا في قبره بإذن الله -تعالى-.[٣]
وذكّر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بالصدقة، ووصفها بأنّها برهانٌ؛ أي دليلٌ على صدق إيمان المسلم، إذ إنّ المال محبوبٌ للنفس الإنسانية، فإذا بذله المسلم صدقةً لوجه الله -تعالى-، دلّ ذلك على صدق إيمانه، ومحبّته لله -تعالى- وللتقرّب منه ببذل ماله صدقةً لوجهه -تعالى-، كما نبّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على فضيلة وعبادة الصبر، وله أنواعٌ، هي: الصبر على التزام الطاعة، والصبر في البعد عن المعاصي، والصبر على الشدائد والمصائب، ووصف النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الصبر بأنّه ضياء؛ والضياء فيه معنى النور؛ أي أنّه نورٌ لصاحبه في الدنيا والآخرة، إلّا أنّ الضياء يختلف عن النور في أنّ الضياء فيه حرارةٌ؛ فناسب وصفه بالضياء؛ لأنّه شاقٌّ على الإنسان.[٣]
ونبّه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى القرآن الكريم، وأنّه إمّا أن يكون حجَّةً للمسلم يوم القيامة إن هو حرص على تلاوته والعمل بما جاء في آياته، وإمّا أن يكون حجَّةً عليه إن هو هجره فلم يتله، أو لم يعمل بما جاء في آياته، ثمّ ختم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الحديث بذكر أصناف الناس: بائعٌ نفسه أو مهلكها؛ فكلّ الناس يغدو ويروح، فإمّا أن يبع نفسه لله -تعالى- بالتزام طاعته واجتناب نهيه، فيفوز بالثمن؛ أي الجنّة، وإمّا أن يكون في سعيه وكدحه في هذه الحياة الدنيا حائدًا عن طاعة الله -تعالى-؛ فيكون مصيره الهلاك في الآخرة.[٤]
ما يرشد إليه الحديث
يرشد هذا الحديث إلى جملةٍ من الدروس والمعاني، ومنها:[٢]
- فضل الوضوء والطهارة وعظم أجرهما.
- عظم فضل وأجر عباداتٍ كالصلاة وقراءة القرآن والتسبيح والحمد، والتخلّق بالصبر.
- أنّ الإنسان محاسبٌ ومؤاخٌ على أفعاله، وأنّه بيده يختار النجاة أو الهلاك في الآخرة.
مواضيع أُخرى:
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم:223، حديث صحيح.
- ^ أ ب ت "شرح حديث: الطهور شطر الإيمان"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/9/2022. بتصرّف.
- ^ أ ب ابن عثيمين، شرح الأربعين النووية، صفحة 221-234. بتصرّف.
- ↑ عطية سالم، شرح الأربعين النووية، صفحة 3-7. بتصرّف.