نص حديث نَمْ صالحًا

أخرج البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكرٍ -رضي الله عنها- قالت: "أَتَيْتُ عَائِشَةَ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ والنَّاسُ قِيَامٌ، وهي قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلتُ: ما لِلنَّاسِ؟ فأشَارَتْ بيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ، فَقالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقُلتُ: آيَةٌ؟ قالَتْ برَأْسِهَا: أنْ نَعَمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه ثُمَّ قالَ: ما مِن شيءٍ لَمْ أرَهُ إلَّا وقدْ رَأَيْتُهُ في مَقَامِي هذا، حتَّى الجَنَّةَ والنَّارَ، وأُوحِيَ إلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتَنُونَ في القُبُورِ قَرِيبًا مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فأمَّا المُؤْمِنُ -أوِ المُسْلِمُ لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ- فيَقولُ: مُحَمَّدٌ جَاءَنَا بالبَيِّنَاتِ، فأجَبْنَاهُ وآمَنَّا، فيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا عَلِمْنَا أنَّكَ مُوقِنٌ، وأَمَّا المُنَافِقُ -أوِ المُرْتَابُ لا أدْرِي أيَّ ذلكَ قالَتْ أسْمَاءُ- فيَقولُ: لا أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يقولونَ شيئًا فَقُلتُهُ".[١]


شرح حديث نَمْ صالحًا

شرح مفردات الحديث

آتياً بيانٌ لأهم معاني مفردات الحديث:[٢]

  • فأشارت بيدها نحو السماء: أي أنَّ هناك كسوفًا للشمس؛ فأشارت له.
  • رأيته في مقامي هذا: أي رأيته في حالي هذه رؤية حقيقيّة.
  • تفتنونَ في القبور: تتعرضون للفتنة والامتحان.
  • الدجال: مأخوذٌ من الدجل وهو الذي يغطّي الحق بالباطل؛ ويعتبرُ ظهوره علامةً من علامات يوم القيامة الكُبرى.
  • جاءنا بالبينات: أي جاء بالآيات الباهرات الدالّة على صدق رسالته عليه الصلاة والسلام.
  • موقن: أي على يقين من بعثة محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام.
  • المرتاب: أي الذي يشكّ في بعثة محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام.


معنى الحديث

يبيّن الحديث الشريف عظم فتنة القبر، وأنّها من أعظم الفتن التي ستمرُّ بالمسلم، وقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ منها في صلاته بعد التشهد الأخير قبل التسليم؛ وفي الحديث بيانٌ منه -عليه الصلاة والسلام- لحال المؤمن بالله -سبحانه وتعالى- وبنبيه عليه الصلاة والسلام، وحال المنافق في فتنة القبر، وقد وضحّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حال المؤمن والمنافق في القبر في خطبةٍ له كانت بعد صلاة الكسوف كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، وسألت عندما دخلت على أختها عائشة -رضي الله عنها- عن حال الناس وما دهاهم؛ فأشارت لها وهي تصلي إلى السماء؛ أي أنّه وقتُ كسوفٍ للشمس، فسألت أسماء: هل هي آيةٌ من آيات الله، فحرّكت عائشة -رضي الله عنها- رأسها إشارةً للإجابة بنعم، فقامت أسماء -رضي الله عنها- وصلّت معها.[٢]


وبعد انتهاء الصلاة قام النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وخطب في الناس وأخبرهم برؤيته للجنّة والنار على الحقيقة، وأخبرهم عن فتنة القبر وأنّها فتنةٌ عظيمةٌ مقاربةٌ لفتنة المسيح الدجال الذي هو علامةٌ من علامات يوم القيامة الكُبرى وفتنته شديدةٌ على الناس؛ فأمّا المؤمن فيتجاوز هذا الاختبار لكونه مؤمنًا موقنًا ببعثة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يعلم أنّه مرسلٌ من ربّه بالبينات والهدى والكتاب المنير، وأمّا المنافق فإنّه لا يدري ما يقول، ويقول مثل ما قال الناس دون إيمانٍ أو تصديقٍ وقر في قلبه فهو مرتابٌ شاكٌّ في كلّ شيءٍ.[٢]


ما يُرشد إليه الحديث

يستفاد من هذا الحديث جملةٌ المعاني والفوائد، وآتيًا ذكر بعضٍ منها:

  • من الضروريّ أن يُصدّق المسلم ويؤمن بفتنة القبر ويستعيذ بالله -سبحانه وتعالى- منها دائمًا ويسأل الله الثبات عند السؤال في القبر.[٣]
  • في الحديث دلالةٌ على أنّ الصلاة لا تبطل بالعمل اليسير ولا بالإشارة.[٢]
  • في الحديث ترغيبٌ لفضل اتّباع هدي النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وأنّه سبيلٌ لنجاة العبد من فتنة القبر، وسبيلٌ لنيل رضا الله -عزّ وجلّ- والفوز بالجنّة والنجاة من النار.[٤]



مواضيع أخرى:

حديث إذا وضع الميت في قبره

شرح حديث يسمع قرع نعالهم


المراجع

  1. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن أسماء بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم:7287، صحيح.
  2. ^ أ ب ت ث الدرر السنية، "شرح حديث نمْ صالحاً"، الدرر السنية الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 14/11/2021. بتصرّف.
  3. سماحة الشيخ الامام ابن باز رحمه الله، "ضرورة تصديق المسلم لأمور الغيب وبيان حال الموتى في قبورهم"، موقع سماحة الشيخ الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 14/11/2021. بتصرّف.
  4. ندا أبو أحمد (3/1/2015)، "أهوال القبر - سؤال الملكين ورؤية العبد مكانه "، طريق الاسلام، اطّلع عليه بتاريخ 14/11/2021. بتصرّف.