نص حديث يولد على الفطرة
أخرجَ البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ"،[١] وفي رواية مسلم في صحيحه: "ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ. ثُمَّ يقولُ: اقْرَؤُوا: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)".[٢][٣]
شرح حديث يولد على الفطرة
شرح المفردات
تالياً بيانُ لبعض ألفاظ الحديث:[٤]
- الفطرة: النقاء الخالص والاستعداد لقبول الخير والشرّ.
- يُهَوِّدَانِهِ: أي يعلمانه اليهوديّة ويجعلانه يهوديّاً.
- يُنَصِّرَانِهِ: أي يعلمانه النصرانيّة ويجعلانه نصرانيّاً.
- يُمَجِّسَانِهِ: أي يعلمانه المجوسيّة ويجعلانه مجوسيّاً، يعبد النار من دون الله سبحانه وتعالى.
- الجَدْعَاءَ: هي البهيمة التي فيها نقصٌ؛ كأن تكونَ مقطوعة الأطراف أو أحدها.[٥]
معنى الحديث
يُبيّن الحديث الشريف الفطرة التي خلق الله -سبحانه وتعالى- الناس عليها، النقيّة الخالية من الشوائب ومن المعاصي والآثام؛ فالمولود الذي يولد إن استمر على ما هو عليه، فإنّه سيبقى على هذه الفطرة التي خلقها الله -عزّ وجلّ- عليها؛ إلّا أنّه يظهر دور الأبوين فيتبع النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قوله فيقول: "فأبواه"؛ وهذا دليلٌ صريحٌ واضحٌ على دورهما في تغيير هذه الفطرة وتوجيهها وإضافة الشوائب عليها، فقد يجعل الأبوين ذلك المولود يهوديّاً أو نصرانيّاً أو يحرّفانه بشكلٍ كُلّيٍّ ليصبح مجوسيّاً يعبدُ النار من دون الله عزّ وجلّ،[٤] وليس بالضرورة أن يكون المولود على الفطرة معتقدًا للإسلام فعلًا، فإنّ اللّه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكنّ القلب سليم يقبل الحقّ؛ فلو تُرك من دون تغيير لم يكن إلا على الإسلام. [٦]
وفي الحديث الشريف يضربُ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كعادته في تقريب الصورة بالأمثلة؛ فالبهيمة التي تولد خاليةً من العيوب كاملة الأطراف لا نقص فيها، ثمَّ بعدَ ذلك تُصبح جدعاء؛ فينقص منها طرفٌ من فعل الإنسان؛ وهذا هو حال المولود الذي يحدث لفطرته اعتلالٌ من تحويل أبويه إياه إلى اليهوديّة أو النصرانيّة،[٤] ويذكر أبو هريرة -رضي الله عنه- قوله تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، والتي فيها إشارةٌ إلى أنّ الله -سبحانه وتعالى- يوصي الناس بالتزام هذه الفطرة الحنيفيّة، فلا تغيير لخلق الله ولملته التي طبع الناسَ عليها وهي ملّة التوحيد.[٥]
ما يُرشدُ إليه الحديث
للحديث الشريف دلالاتٌ وفوائد عدَّةٌ يُرشد إليها، آتيًا ذكر بعضٍ منها:
- أنّ الله -سبحانه وتعالى- خلق عباده على الفطرة، والذي يسعى لتحويلها هم شياطين الإنس والجنّ؛ ليبدلونهم بعد الإيمان كُفرًا.[٧]
- أنّ قول النبيّ عليه الصلاة والسلام: "فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ" دلالةٌ على استعداد النفوس وقبولها للتهذيب والتعليم والتأديب.[٨]
- في الحديث الشريف بيانٌ لروعة التشبيه النبويّ؛ فالنبيّ -عليه الصلاة والسلام- يشبه الطفل المولود الذي قام أبواه بالجناية عليه بتلك البهيمة التي تكون تامَّة الخلقة؛ فيعتدي عليها أصحابها، فيجدعونها ويغيرون خلقتها التي كانت عليها.[٨]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1385، صحيح.
- ↑ سورة الروم، آية:30
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2658، صحيح.
- ^ أ ب ت الدرر السنية، "شرح حديث يولد على الفطرة"، الدرر السنية الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 17/11/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد الأمين الهرري، كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، صفحة 557. بتصرّف.
- ↑ طريق الإسلام (1/12/2006)، "سُئِلَ عَن حديث" كل مولود يولد على الفطرة.""، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 17/11/2021. بتصرّف.
- ↑ الشيخ محمد صالح المنجد (22/2/2020)، "الجمع بين حديث :" كل مولود يولد على الفطرة " ، وحديث :" كلكم ضال إلا من هديته "."، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 17/11/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب الشيخ طه محمد الساكت (29/5/2013)، "دين الفطرة"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17/11/2021. بتصرّف.