حديث (ويحك لا تفتحه)
أخرج الإمام أحمد في مسنده، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ضَربَ اللهُ مثلًا صِراطًا مستقِيمًا، وعَنْ جَنَبَتِي الصِّراطِ سُّورانِ فيهِما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبوابِ سُتُورٌ مُرْخاةٌ، وعِند رأسِ الصِّراطِ داعٍ يقولُ: استقِيمُوا على الصِّراطِ ولا تَعْوَجُّوا؛ وفَوقَ ذلكَ داعٍ يدعو كلما هَمَّ عبدٌ أنْ يفتحَ شيئًا من تلكَ الأبوابِ؛ قال: ويْلَكَ! لا تفتحْه، فإنَّك إنْ تَفْتَحْه تَلِجْهُ، ثمَّ فَسَّرَهُ، فأخبرَ أنَّ الصِّراطَ هو الإسلامُ، وأنَّ الأبوابَ المُفتَّحةَ محارمُ اللهِ، وأنَّ السُّتُورَ الْمُرخاةَ حُدودُ اللهِ، والدَّاعِي على رأسِ الصِّراطِ هو القرآنُ، والدَّاعِي من فوقِه هو واعظُ اللهِ في قلبِ كلِّ مُؤْمِنٍ).[١]
شرح حديث (ويحك لا تفتحه)
ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث مثلاً عظيماً لدين الإسلام نقله عن ربّه -عز وجل-، وقد جعل -صلوات الله عليه- التشبيه بصورة الشيء المحسوس لتقريب الصورة إلى العقول والنفوس؛ ويمكن بيان ذلك بالآتي:
الصراط هو الإسلام
يُعرف الصراط بأنّه الطريق الواسع الذي يُوصل سالكه إلى مبتغاه، وهو يغلب عليه الاستقامة، من غير عوج أو ميل؛ فيكون ذلك زيادة في القرب وزيادة في تسهيل العبور؛ وقد شبّه النبي -صلوات الله وسلامه عليه- الإسلام بهذا الصراط المستقيم.[٢]
موافقاً بذلك للعديد من الآيات القرآنية التي جاء فيها تسميّة دين الإسلام بالصراط المستقيم، من ذلك قوله -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).[٣][٤]
الأبواب المفتّحة والستور المرخاة
يُكمل النبي -صلى الله عليه وسلم- تشبيهه فيقول إنّ لهذا الصراط المستقيم سورين -حائطين- يحميانه ويحفظانه من التعدّي والتجاوز، وفي داخل هذه الأسوار أبواب مفتوحة غير مغلقة، ويُغطي هذه الأبواب ستور -جمع ستار- ملقاه، متروكة دون حجز أو ربط، فتكون هذه الستور هي حدود الله -تعالى-، وتكون هذه الأبواب هي المحارم؛ التي نهى الله -تعالى- عباده عنها.[٢]
وبهذا تكون المحافظة والالتزام بأوامر الله -تعالى- من حلالٍ وحرام، وعدم تجاوز وتعدّي حدوده -سبحانه- هي الحصن المانع لهذا الدين الإسلاميّ القويم، فأبواب المحرّمات مفتوحة غير مغلقة ولا مردودة، ولكنّ الرادع من دخولها هي تلك الحدود -الستور- المبيّنة في الإسلام، فإن رفعها الناس، ولم يلتزموا بما فيها دخلوا أبواب المحرّمات.[٥]
وفي هذا إشارة إلى سهولة مخالفة أمر الله -تعالى- لمن أراد العصيان؛ فليس هنالك حصن حصين يمنع الدخول والانزلاق في مثل هذه الأبواب المحرّمة، إنّما هي ستور مرخاة، من تعاهد أمر الله -تعالى- ارتدع وترك الدخول، ومن أغفل نفسه عن التيقّظ لحدود الله -تعالى- دخل وخالف وتعدّى أمر الله -تعالى-.
الداعي على رأس الصراط هو القرآن
كان للقرآن الكريم في هذا الحديث تشبيه بليغ، بأن جُعل بمثابة الداعي فوق الصراط، يُرشد الناس ويحذّرهم، ويمنعهم من انتهاك المحرمات؛ ففي القرآن الكريم إرشاد لأحكام الله -تعالى- وأموره ونواهيه، وفيه يُقرّب العبد من مولاه، ويُبعد عمّا سواه، فكلّما همّ عبد بالدخول في المحرمات كان القرآن محذّراً له من ذلك؛ إذ إنّ فتح مثل هذه الأبواب يؤدي للسير في طريق المهالك الموحشة، التي لا تجلب إلا الخسران والبُعد واستحقاق العذاب والويلات.[٦]
الداعي من فوقه واعظ في قلب المؤمن
ضرب الله -تعالى- مثلاً للإيمان الذي أودعه في قلوب عباده المؤمنين بداعٍ يقف على الصراط، يمنع أصحاب الإيمان من الوقوع في المهالك،[٧] فالإيمان الحقّ هو الذي يجعل في قلب كل مسلم واعظٌ يعظّه ويقوّمه، ويبيّن له الصواب من غيره، ويكشف له عواقب الأمور، ويزيد من خشيته لله -تعالى-، وخشية الوقوع فيما يغضبه -سبحانه-، فإذا ما أمرته نفسه الأمارة بالسوء لارتكاب الذنوب والمعاصي أيقظه هذا الواعظ، ونهاه عن فعله.
المراجع
- ↑ رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:4142، صححه الألباني.
- ^ أ ب حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 140، جزء 10. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:15-16
- ↑ ابن رجب الحنبلي، شرح حديث مثل الإسلام، صفحة 191-192. بتصرّف.
- ↑ عبد الحق الدهلوي، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، صفحة 509، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 253، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ الساعاتي، أحمد بن عبد الرحمن، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، صفحة 83، جزء 1. بتصرّف.