نص حديث وابكِ على خطيئتك

كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يحرصون على سؤال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن أسباب النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن ذلك ما جاء عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: (يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟ قال: أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتِكَ).[١]


شرح: (أمسِكْ عليك لسانك)

كان أوّل ما أوصى به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صاحبه عقبة هو: أن يُمسك عليه لسانه، ومعنى ذلك أن يحبسه ويمنعه ويكفّه عن قول السّوء والشرّ، ولا ينطق إلا بخير، وهذا إنْ دلّ على شيءٍ فهو يدلّ على خطورة أمر اللّسان، فقد يَهلك صاحبه بكلمة، وممّا يدلّ على أهمية حفظه وكفّه عن قول الشرّ ما يأتي:[٢]

  • قول الله -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).[٣]
  • قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ).[٤]


شرح: (وليسعك بيتك)

مِن وصايا النبيّ الكريم في الحديث أيضاً قوله: "وليسعك بيتك"، ومعنى ذلك أن يَدَع المسلم ما لا يعنيه، ويترك مخالطة ما يشغله عن أمر دينه وعبادته، فلا يضجر من الجلوس في مسكنه والخلوة بربّه والاشتغال فيه بطاعته،[٥] وقد استنبط بعض أهل العلم من هذه الوصية عدّة توضيحات وفوائد، ومنها:[٦]

  • أهمّية البيت وعدم تركه وهجره، فهو مكان سكن الإنسان وراحته.
  • أهمية الوطن الذي يأوي الإنسان ويحتويه، ويسع الرجال والنساء، وقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول عن مكّة: (ما أطيَبَكِ من بَلدةٍ وأحَبَّكِ إلَيَّ! ولولا أنَّ قَومَكِ أخرَجوني ما سَكَنتُ غَيرَكِ).[٧]
  • لا يعني القيام في البيت أن لا يخرج صاحبه لأداء عمله ومسؤوليته، ولا أن يؤذي مَن في البيت، فهذا الأمر يبغضه الله -تعالى-، وإنّما المقصود عدم الخروج منه إلى الفتن وإلى ما يشغل المرء عن دينه، مع أهمية قيامه بواجباته ووظيفته في الحياة.
  • يُستنتج من الوسع في الحديث الوسع المعنوي، فالبيت يتّسع إذا كان مَن فيه يتعاونون على البرّ ويقيمون أوامر الله -تعالى-، ويضيق على أصحابه إذا كان مَن فيه غير مهتمٍّ بواجباته وفعل ما أمر به الله -سبحانه- وما أوصى به نبيّه الكريم.


شرح: (وابكِ على خطيئتك)

البكاء على الخطيئة يعني أن يندم صاحبها على ما ارتكبه من الذنوب والمعاصي في جناب الله -سبحانه-، ويتحسّر قلبه على ذلك، ويدفعه ندمه وبكاؤه إلى العزم على عدم العودة لمثل ذلك، وإلى طلب المغفرة من الله، وهذا الأمر من أهمّ شروط التوبة والرجوع إلى الله -عز وجل-.[٨]


ما يُستفاد من حديث وابكِ على خطيئتك

يُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف عدّة فوائد ودروس، ولعلّ من أهمّها ما يأتي:[٩]

  • الحذر من التفوّه بالسوء والشرّ، فالمسلم يعلم أنّه سيُحاسب على أقواله أمام الله -تعالى-.
  • الاهتمام بالبيت؛ ويكون ذلك من خلال تربية الأبناء على الدين والأخلاق، ومعرفة أنّ البيوت لبنة من لبنات المجتمع، فإذا صلحت صلح المجتمع وكان قوياً.
  • أهمية محاسبة النّفس ومراجعتها، والمبادرة إلى التوبة والرجوع إلى الله -تعالى- عند ارتكاب الذنوب، والبكاء من خشية الله -تعالى-.



مواضيع أخرى:

حديث ما من عبد يسترعيه الله رعية

حديث يا شداد بن أوس

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:2406، حسن.
  2. "شرح حديث النّجاة"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2022. بتصرّف.
  3. سورة ق، آية:18
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6478، صحيح.
  5. ابن الملك، شرح المصابيح، صفحة 247، جزء 5. بتصرّف.
  6. د. مبروك عطية، "وليسعك بيتك (الوسع المعنوي)"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2022. بتصرّف.
  7. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1810، صحيح الإسناد.
  8. نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي، صفحة 10، جزء 6. بتصرّف.
  9. "فوائد من حديث ما النجاة؟"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 5/12/2022. بتصرّف.