نص حديث السبع الموبقات
ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ).[١]
شرح حديث السبع الموبقات
حذّر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث من الموبقات السبع؛ أيّ المُهلكات من المعاصي والذنوب التي يهلك بها؛ بما يترتب عليها من العقوبة وإقامة الحدود في الدنيا، واستحقاق العذاب ودخول النار في الآخرة؛ وينبغي التنبيه إلى أنّ أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم قالوا إنّ الكبائر المُهلكة أكثر من سبع، وذكر بعضهم أنها إلى السبعين أقرب،[٢] ولعلّ ذكرها يطول به المقام، فيُقتصر -في هذا المقال- على توضيح الموبقات المذكورة في هذا الحديث، وذلك على النحو الآتي:
الشرك بالله تعالى
إنّ الشرك بالله -تعالى- من أكبر الكبائر الموجبة للعذاب والخلود في نار جهنّم؛ وذلك بأن يُشبّه الإنسان أحد المخلوقات بالخالق -تعالى عن ذلك- في خصائص الألوهية؛ من النفع والضرّ، والمنع والعطاء، والرزق ونحو ذلك؛ ممّا يستوجب توجيه الدعاء والخوف والرجاء، وبعض أنواع العبادات لغير الله -سبحانه وتقدّس-،[٣] وهذه الكبيرة هي التي لا يغفرها الله -سبحانه- لمن مات عليها؛ حيث قال -جلّ وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا).[٤][٥]
السحر
من الجدير بالذكر أنّ للسحر عدّة معانٍ لا يمكن حصرها في سياق واحد، وتدور كلّها حول صرف الشيْ عن حقيقته إلى غيره؛ ووجه إدخال السحر ضمن المُهلكات والكبائر؛ أنّ السحر تحديداً وتعلّم أموره لا يتمّ عادةً إلا بالشرك بالله -تعالى-، أو بالتوسل إلى غيره -سبحانه وتعالى-؛ من الشياطين والجنّ، فيكون التعلّق بهم والتقرب إلى أعمالهم، بالإضافة إلى ادّعاء الغيب، وادّعاء مشاركة الله -تعالى- علمه، أو سلوك الطرق المؤديّة إلى ذلك؛ لذا قال العلماء: إنّ الساحر لا يتمُّ له توحيد حتى يترك السحر وما يتعلق به، ثم يتوب إلى الله -تعالى- توبةً نصوحة.[٦]
قتل النفس التي حرمها الله
حرّمت الشريعة الإسلامية قتل النفس التي حرّمها الله -تعالى-، وهي النفس المسلمة التي تشهد بشهادة التوحيد، والنفس المُعاهدة للمسلمين، بالإضافة إلى الذميّ -من كان من أهل الكتاب-، والمُستأمن؛ وكل هذه الأنفس يُحرم قتلها إلا بالحقّ؛ كالمرتدّ والمحارب، ونحو ذلك من الأسباب التي تكلّم فيها العلماء على نحوٍ مُفصّل.[٧]
وقد جاء النهيّ عن قتل النفس في عدّة مواضع من القرآن الكريم، حتى جعل الله -تعالى- قتل النفس الواحدة -من غير حقّ- كقتل الناس جميعاً؛ قال -تعالى-: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...)؛[٨][٩] ولا ينبغي الإغفال عن العقوبات المترتبة على القتل المتعمد؛ وما يلحق به من أحكام وضّحتها الشريعة الإسلامية؛ لجعل ذلك رادعاً للناس بألا يستهينوا بهذا الأمر، ويكثر فيهم القتل وسفك الدماء.[١٠]
أكل الربا
توعّد الله -تعالى- من يأكل الربا والمال الحرام العائد منه بأشد العقوبات ومختلف أنواع العذابات؛ من التنكيل، والوعيد والثبور، والحرب المُعلنة عليه في الدنيا والآخرة؛ حتى لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الربا أربعة: آكله، وموكله، وكاتبه وشاهده.[١١]
ويُقصد بالربا الحصول على مال زائد بدون عوض أو استحقاق، وذلك نتيجة معاوضة مال بمال، كأن يقترض أحدهم من أيّ جهةٍ مبلغاً من المال، فيُشترط عليه الوفاء به في وقت محدد، فإن حصل التأخير في الوفاء والسداد زِيْد عليه في المبلغ المطلوب، فهذا حرام وأخذ لأموال الناس بالباطل.[١٢]
أكل مال اليتيم
أجمع الفقهاء على أنّ أكل مال اليتيم -ذكراً كان أم أنثى- أمرٌ مُحرمٌ شرعاً؛ وقد عبّر القرآن الكريم عن أخذ مال اليتم بغير وجه حقّ بلفظ الأكل؛ كنايةً عن أسباب أخذ هذا المال؛ فقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)،[١٣] وسبب التشديد على تحريم أكل مال اليتيم؛ أنّ هذا اليتيم عادةً ما يكون ضعيفاً لا يقوى على أخذ واستيفاء حقّه، وليس له من يحميه ويُدافع عنه؛[١٤] ومن هنا تظهر عدل الشريعة الإسلامية، بحماية الضعيف، وردّ عدوان القويّ الظالم على غيره.
التولي يوم الزحف
ويُقصد به الفرار من الحرب عند ملاقاة العدو، لأنّ في هذا الأمر تغريراً بالمسلمين، وإعانة للعدو على هزيمتهم؛ لا سيما إذا كان هذا العدو كافراً، فإنّ التوليّ حينها حرام شرعاً على مذهب جمهور الفقهاء، وقد دلّ على ذلك عددٌ من النصوص القرآنية الداعية إلى الثبات والجهاد عند ملاقاة الأعداء، والنهي عن الفرار والتولّي، وقد فصّل العلماء في حكم التولّي في حال التّضرر، فأجاز بعضهم ذلك مع تفضيل الصبر والثبات، أو نيل الشهادة في سبيل الله -تعالى-.[١٥]
قذف المحصنات الغافلات
والمراد هنا من قذف المُحصنات: اتهام النساء المؤمنات المحافظات على فروجهنّ من الفجور والفواحش بتهمة ارتكاب الزنا بُهتاً وزوراً،[١٦] وقد وصفهنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغافلات؛ لأنّهنّ لا يعلمن بما اتهمنّ به من الزنا، وبعدهنّ عن فعل ذلك؛ فمن يقذف المؤمنات المحصنات مُستحقٌ للعذاب والطرد من رحمة الله -تعالى-، وكذلك الحال في قذف الذّميات -من أهل الكتاب- المحصنات.[١٧]
وقد بيّنت سورة النور الحدّ الدنيويّ المترتب على قذف المحصنات، بأن يتمّ جلّده ثمانين جلدة، بالإضافة إلى ما يكون له من العذاب والوعيد يوم القيامة.[١٨]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:2766 ، صحيح.
- ↑ ابن رسلان، شرح سنن أبي داود لابن رسلان، صفحة 369، جزء 12. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر محمد زكريا، الشرك في القديم والحديث، صفحة 118، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:48
- ↑ عبد الله خضر حمد، الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية، صفحة 193، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن علي الزاملي، منهج الشيخ عبد الرزاق عفيفي وجهوده في تقرير العقيدة والرد على المخالفين، صفحة 201. بتصرّف.
- ↑ ابن عثيمين، اللقاء الشهري، صفحة 4، جزء 64. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:32
- ↑ ابن جبرين، شرح أخصر المختصرات لابن جبرين، صفحة 3، جزء 75. بتصرّف.
- ↑ عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، صفحة 10، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ محمد حسن عبد الغفار، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، صفحة 16، جزء 47. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 93، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية:10
- ↑ عبد الله بن محمد الغنيمان، شرح فتح المجيد للغنيمان، صفحة 11، جزء 74. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 189، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن محمد الغنيمان، شرح فتح المجيد للغنيمان، صفحة 13، جزء 74. بتصرّف.
- ↑ مظهر الدين الزيداني، المفاتيح في شرح المصابيح، صفحة 140، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد صبحي حلاق، اللباب في فقه السنة والكتاب، صفحة 511. بتصرّف.