نص حديث (إن الله يرفع بهذا الكتاب)
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنّه استعمل نافع بن عبد الحارث والياً على مكة المكرمة؛ فلمّا لقي عمر بن الخطاب نافع -رضي الله عنهما- بمنطقة عُسفان؛ سأل عمر نافع: (مَنِ اسْتَعْمَلْتَ علَى أَهْلِ الوَادِي، فَقالَ: ابْنَ أَبْزَى، قالَ: وَمَنِ ابنُ أَبْزَى؟ قالَ: مَوْلًى مِن مَوَالِينَا، قالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عليهم مَوْلًى؟! قالَ: إنَّه قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وإنَّه عَالِمٌ بالفَرَائِضِ، قالَ عُمَرُ: أَمَا إنَّ نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قدْ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ).[١]
شرح حديث (إن الله يرفع بهذا الكتاب)
مناسبة الحديث
يظهر من سياق الحديث أنّ مناسبته كانت بسبب قدوم نافع بن عبد الحارث والي مكة المكرمة، لملاقاة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أمير المؤمنين، في منطقة عُسفان بموسم الحجّ؛ وقد سأل عمر بن الخطاب الصحابيّ نافع عمن استخلفه من بعده على أهل الوادي، والمقصود بهم أهل مكة المكرمة، فأخبره نافع -رضي الله عنه- أنّه اختار مولى من الموالي يُسمّى ابن أبزى.[٢]
سبب استخلاف نافع لابن أبزى
استخلف نافع ابن أبزى -كما أشرنا- بالرغم من كونه مولى من الموالي؛ والمقصود بالمولى المُعْتَق من الرقيق؛ أيّ المحرر من العبيد، فلمّا سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إجابة نافع تعجّب؛ إذ كيف يستخلف بعده مولاً من الموالي؛ وليس ذلك استخفافاً أو تقليلاً من شأن هذا الصحابيّ الجليل؛ إنّما لعلم عمر -رضي الله عنه- أنّ المقصود من التولية ضبط أمور الناس، وسياستهم.[٣]
وكلّ ذلك يحتاج إلى شخص مُهاب عند الناس، يُحسن إمساك زمام الأمور بقوة وحزم، وإلا استخفّ الناس به، وخرجوا عن أمره، وكان عاقبة ذلك سوءاً، ولكنّ نافع بن عبد الحارث -رضي الله عنه- قدّم أسبابه التي جعلته يُقدّم هذا الصحابيّ دون غيره؛ فقال إنّه:[٣]
- عالمٌ بكتاب الله -تعالى-، عامل به.
- عالمٌ بأحكام المواريث -الفرائض-؛ مما يُمكْنه من القضاء بين الناس بالعدل والإنصاف.
وهذه الأسباب جعلته كافياً لأن يكون والياً على الناس؛ فقد رفعه الله -تعالى- عليهم لعلمه بكتاب الله -تعالى-، وعمله به، مع علم الناس بذلك، وثقتهم بمن كانت هذه أحواله؛ مما جعلهم يقدّرونه، ويطيعون أمره، ويستقيمون لما يحكمه؛ فكان هذا شرفاً لابن أبزى -رضي الله عنه-.[٣]
استحسان عمر بن الخطاب فعل نافع
استحسن عمر بن الخطاب فعل نافع -رضي الله عنهما-؛ باستخلافه رجلاً قارئاً عالماً بكتاب الله -تعالى-، وقد أيّده بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، بأنّ من بركات، وفضل القرآن الكريم، والعمل به، والإقرار بأحكامه، والعمل بمحكمه، والإيمان بمتشابهه، والتصديق بما فيه، وتطبيقه على أحسن وجه يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ويجعل له عظيم الشأن بين الناس، حتى إنّه يفوق ويتقدم على غيره بسبب ذلك، أمّا من أعرض عنه، وتركه وضعه الله -تعالى-، وأقلّ من شأنه وقدره.[٤]
التعريف بابن أبزى
عرّف أصحاب السير والتراجم ابن أبزى بأنّه الصحابيّ الجليل عبد الرحمن بن أبزى الخزاعيّ، مولى نافع بن عبد الحارث -رضي الله عنهما-، اختلف في صحبته؛ وقد رجّح جمعٌ من أهل العلم صحبته؛ لروايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولصلاته خلفه كما قال ابن أبي حاتم، واختار البخاري ترجيح صحبته لما نُقل عن غير واحد من أهل السير والتراجم، كما ذكر ابن سعد ابن أبزى فيمن مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم أحداث السنّ.[٥]
ولقد استعمل نافع بن عبد الحارث ابن أبزى على أهل مكة زمن خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-، ثم سكن الكوفة بعد ذلك، وقد كان عالماً بكتاب الله -تعالى-، وبأحكامه، كما استعمله عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- على خراسان.[٥]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:817، صحيح.
- ↑ ابن حمزة الحسيني، البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، صفحة 191، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد بن علي بن آدم الأثيوبي، البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج، صفحة 457-458، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم، صفحة 542، جزء 2. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد بن علي بن آدم الأثيوبي، مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، صفحة 299-300، جزء 4. بتصرّف.