حديث (إذا سبق ماء الرجل...)
أخرج الإمام أحمد في المسند عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (... إذا سَبَقَ ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المرأةِ ذهَبَ بالشَّبَهِ، وإذا سَبَقَ ماءُ المرأةِ ماءَ الرَّجُلِ ذهَبَتْ بالشَّبَه...)،[١] وفي رواية أخرى عند الإمام البخاري: (... وأَمَّا الشَّبَهُ في الوَلَدِ: فإنَّ الرَّجُلَ إذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كانَ الشَّبَهُ له، وإذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كانَ الشَّبَهُ لَهَا...).[٢]
شرح حديث (إذا سبق ماء الرجل...)
بيّنت العديد من الأحاديث النبويّة بعض الحقائق العلميّة التي جاء العلم بتأكيدها مع مرور الزمن وتطور العلم وتقنياته، فقد كان السبق للوحيّ الإلهيّ والسنّة النبويّة في الحديث عن هذه الحقائق وإبرازها، وهذا إنّ دلّ على شيء دلّ على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصدق نبوته، وقوة مصدره ووحيه، فهو لا ينطق عن هوىً أو جهل أو ضلالة.
المعنى الإجماليّ لهذا الحديث
يعدّ هذا الحديث الشريف من الأحاديث التي تكلّمت عن حقيقة علميّة ثابتة، جاءت تبيّن مصدر الشّبه في المولود؛ سواء في الشكل أم في الجنس، ففي هذا الحديث يخبر النبي -صلوات الله وسلامه عليه- أنّ ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة في الجماع كان الشبه له؛ أيّ حمل صفاته وشكله، وقيل: حمل جنسه، فيكون ذكراً، أمّا إذا سبق ماء المرأة ماء الرجل كان الشبه لها، أو حمل المولود جنسها؛ فتكون أنثى.[٣]
الفرق بين العلو والسبق
فرّق بعض أهل العلم بين لفظي "السبق" و"العلو"؛ فقد ثبت في رواية الإمام مسلم، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (... إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أبْيَضُ، ومَاءَ المَرْأَةِ رَقِيقٌ أصْفَرُ، فَمِنْ أيِّهِما عَلَا، أوْ سَبَقَ، يَكونُ منه الشَّبَه)،[٤] فقيل إنّ الشبه يكون بالعلو، بينما تحديد الجنس يكون بالسبق.[٣]
بينما ذهب أكثر العلماء والأطباء المعاصرون إلى أنّ المسؤول عن تحديد جنس الجنين هو الرجل، بينما تكون المرأة كالأرض الخصبة؛ التي تحمل ما يُزرع فيها فتؤتي ثمارها بإذن الله -تعالى-، وهذا ما أشارت إليه العديد من الآيات القرآنيّة الكريمة، فيُحمل لفظ السبق في هذا الحديث -عند هؤلاء العلماء- على الشبه في الشكل والصفات، لا على الجنس والتذكير والتأنيث.[٥]
وقد ردّوا على الرواية التي جاء فيها بصريح اللفظ القول بالتذكير والتأنيث، وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (... فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ، أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنَثَا بِإِذْنِ اللَّه...)،[٦] أنّ ماء المرأة إن علا يُؤثر في اختيار نوع الحيوان المنويّ من ذكر أو أنثى، دون أن يكون لماء المرأة الدور الرئيسي في تحديد الجنس، فيكون الدور الأبرز لماء الرجل، والدور الثانويّ لماء المرأة؛ وذلك بتهيئة الظروف المناسبة لاستقبال نوع الحيوان المنويّ.[٥]
الجمع بين ألفاظ الحديث المتعددة
تجدر الإشارة إلى أنّ بعض أهل العلم اختاروا الجمع بين كل هذه الأحاديث، وبين ألفاظها المختلفة؛ في السبق والعلو، والتذكير والتأنيث، وفي شبه الأخوال والأعمام؛ التي ثبت فيها ما صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (... إذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ، أشْبَهَ الوَلَدُ أخْوَالَهُ، وإذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أشْبَهَ أعْمَامَهُ)؛[٧] على التقسيم الآتي:[٨]
- أن يخرج ماء الرجل أولاً؛ فيكون المولود ذكراً بحكم السبق، وإذا صاحب السبق الكثرة كان الولد شبيهاً بوالده وأعمامه، بحكم الكثرة.
- أن يخرج ماء المرأة أولاً؛ فيكون المولود أنثى بحكم السبق، وإذا صاحب ذلك كثرة كان الشبه للأم والأخوال.
- أن يخرج ماء الرجل أولاً ولكنّ ماء المرأة أغلب وأكثر؛ فيكون المولود حينها ذكراً بحكم السبق، إلا أنّ كثرة وغلبة ماء المرأة تجعل المولود مشابهاً لها ولأخواله.
- أن يخرج ماء المرأة أولاً ولكنّ الكثرة والغلبة لماء الرجل؛ فيكون المولود حينها أنثى، وبحكم كثرة وغلبة ماء الرجل يكون الشبه له، ولأعمام المولود.
المراجع
- ↑ رواه الإمام أحمد، في المسند، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:13868، إسناده صحيح على شرط مسلم.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3329، صحيح.
- ^ أ ب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، شرح تفسير ابن كثير، صفحة 6، جزء 44. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:311، صحيح.
- ^ أ ب "أقوال العلماء والأطباء في مسئولية ماء الرجل وماء المرأة في تحديد جنس الجنين"، الإسلام سؤال وجواب، 30/4/2012، اطّلع عليه بتاريخ 9/7/2023. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن ثوبان مولى رسول الله، الصفحة أو الرقم:315، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:314، صحيح.
- ↑ ابن سيد الناس، النفح الشذي شرح جامع الترمذي، صفحة 57، جزء 3. بتصرّف.