نصّ حديث يا حنظلة

روى الإمام مسلم في صحيحه عن حنظلة بن حذيم الحنفي -رضي الله عنه- أنّه قال: "لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ؟ يا حَنْظَلَةُ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَما ذَاكَ؟ قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ إنْ لو تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي، وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ".[١]


شرح حديث يا حنظلة ساعةً وساعة

كان الصحابة -رضي الله عنهم- مثلًا يُحتذى في الإيمان والحرص على العمل الصالح، وبلغ من حرصهم على ذلك؛ خشية الصحابي حنظلة -رضي الله عنه- من النفاق، واتّهامه لنفسه به؛ وذلك أنّه -كما في الحديث- لقي أبا بكرٍ -رضي الله عنه- يومًا في الطريق، فسأل أبو بكرٍ حنظلة عن حاله، فكان جوابه: "نافق حنظلة"، فسأله أبو بكر عن قصده، فأخبره أنّ حين يكون مع النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وفي مجلسه يكون في حالةٍ من استحضار القلب وقوّة الإيمان للدرجة التي إذا ذكر فيها النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- الجنّة والنار أمامهم، شعروا وكأنّهم يرونهما رأي العين من شدّة تأثّرهم وحضور قلبهم، حتّى إذا خرجوا من مجلس رسول الله وانشغلوا بأمور الحياة العامّة كما في قوله: "عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ"؛ أي انشغلنا بنسائنا وأولادنا ولاعبناهم، وبالضّيعات؛ أي بأعمالهم التي يعتاشون منها من الحرف والصناعات وغيرها من سبل كسب المال والمعاش، فنصبح وكأنّنا نسينا ما قاله النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- وتبدّل حالنا؛ لذا اتّهم حنظلة نفسه بالنفاق.[٢]


بعد أن سمع أبو بكرٍ كلام حنظلة رضي الله عنهما، أخبره بأنّه يجد مثل ذلك الحال، فذهبا إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يسألانه، فلمّا وصلا عند رسول الله، أخبره حنظلة -رضي الله عنه- بما يشعر، فأجابهم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّ ذلك ليس من النفاق، وأنّ الإنسان لا يمكن أن يداوم على حالة الخوف والخشية والذكر كلّ وقته؛ لذا لم يكلّف الله تعالى إلّا بما يمكنه ويطيقه، وأخبرهم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّهم لو بقوا طوال الوقت على هذه الحالة من صفاء القلب والخشية ومواصلة الذكر؛ لصافحتهم الملائكة في الطرقات، ثمّ طمأن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حنظلة -رضي الله عنه- وأرشده بقوله: "سَاعَةً وَسَاعَةً" وكرّرها ثلاث مرّاتٍ وقصده من ذلك -عليه الصلاة والسلام- الموازنة والمقاربة ومراعاة الواجبات، وإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، وذلك بأن يجعل شيئًا من وقته للذكر والخشية، وشيئًا منه لمراعاة شؤون الزوجة والأولاد والأعمال.[٢]


المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حنظلة بن حذيم الحنفي، الصفحة أو الرقم:2750، صحيح.
  2. ^ أ ب الموسوعة الحديثية، "شرح حديث يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 27/09/2021. بتصرّف.