نصّ الحديث

أخرج البخاريّ في صحيحه عن عائشة زَوج النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- أنّها قالت: "خَرَجنا مَع رَسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في بعضِ أسفارِه، حتّى إذا كنا بالبَيْدَاء أو بِذَات الجيش انقطع عِقْدٌ لي، فَأَقَام رَسولُ الله -صلّى الله عليه وسلم- على التِمَاسِه، وأَقامَ النَّاس مَعَه ولَيْسوا على ماء، فَأَتى النَّاس إلى أبي بَكر الصّدّيق، فقالوا: أَلا تَرى ما صَنَعتْ عائِشة؟ أَقامت بِرَسولِ الله -صلّى الله عليه وسلم- والنَّاس وليسوا على مَاء، وليسَ مَعَهُم ماء، فجاءَ أبو بكر ورسولُ الله -صلّى الله عليه وسلم- واضع رأْسُه على فَخِذي قَدْ نَام، فقال: حَبَسْت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- والنَّاس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عَائشة: فَعاتبني أبو بكر، وقال: مَا شاء الله أنْ يقول وجَعَلَ يَطْعَنُني بِيَدِه في خَاصِرَتي، فلا يَمْنعني من التَّحَرُّك إلَّا مكان رَسَول الله -صلّى الله عليه وسلم- على فَخِذي، فَقَامَ رَسول الله -صلّى الله عليه وسلم- حينَ أَصْبَحَ على غيرِ ماء، فأنْزَلَ الله آية التَّيمُّم فَتَيَمَّموا، فقالَ أُسَيْد بن الحُضَيْر: ما هي بِأوَّل بَرَكَتِكُم يا آل أَبي بكر، قالت: فَبَعَثْنا البعير الذي كُنْتُ عليه، فَأصَبْنا العِقْد تَحْتَهُ".[١]


شرح حديث عقد عائشة

معاني مفردات الحديث

فيما يلي بيانٌ لمعاني أبرز مفردات الحديث:

  • في بعضِ أسْفَارِه: المَقصود بِهَذه السفرة؛ غَزوة بَني المُصطلق في السَّنة السادسة للهجرة.[٢]
  • البَيْداء أو ذات الجيش: هُما مَوضِعان بعدَ ذِي الحليفة بين مكّة والمَدينة، وهو المكان الذي ضاع فيه عِقْد السّيدة عائشة رَضي اللهُ عنها.[٣]
  • عِقْد: هو كُلّ ما يُعلّق ويُلبَس في العُنق.[٤]
  • صَنَعَتْ: فَعَلت.
  • الخاصرة: وَسْط الإنسان عندَ مُنتهى الأَضلاع.[٥][٦]
  • أصبح: أيّ دَخَلَ الصّباح.[٧]


المعنى الإجمالي للحديث

يروي الحَديث الَنبويّ الشّريف حَادِثةً وَقَعت عند خُروج النَبيّ -صلّى الله عليه وسلم- إلى غَزوة بَني المُصطلق في السَّنة السادسة للهِجرة، حَيثُ كانَت السّيدة عائشة -رضي الله عنها- مَع النَبيّ وأَصْحابه رُضوان الله عليهم، وفي الطّريق لِوجهتِهم؛ ففَقَدَتْ السّيدة عائِشة قِلادة لَها، فَأخبَرَتْ النَبيّ -عليه الصّلاة والسلام- بذلك فَأَقام للبَحث عَنها وأَقام النّاس معه ومكثوا في مكانهم، حتّى إذا جَاء الصُّبح واقْترب وقت صَلاة الفَجْر والنّاس ليسوا على وُضوءٍ، ولا يَحملون مَعَهم المَاء، فَأَخَذوا يَشكون إِلى أبي بَكر الصِّدّيق حَالَهم، حيث كانَتْ ابْنَتَه السّيدة عائشة سبب إِقامَتهم في هذا المَكان الذي لا ماء فيه؛ للبحث عن عقدها، فَما كانَ مِن أبي بكر إلّا عِتاب عائشة أُم المُؤمنين عِتاب الأَب لابنته إذْ تقول -رضي الله عنها- في الحَديث: "فَعَاتَبَني أبو بَكر، وقال: مَا شاء اللهُ أنْ يقول وجَعَلَ يَطْعَنُني بِيَدِه في خَاصِرَتي، فَلا يَمنعني مِنْ التّحرُّك إلا مَكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- على فَخِذي"، وعِنْدَ مَجيء الصُّبح، استَيقظ -عليه الصّلاة والسلام- على هذا الحال، فَأَنْزَل الله تَعالى آية التَّيمّم الّتي في سُورة المائدة، وهي قوله عزّ وجلّ: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيّبا فَامْسَحوا بِوُجُوهِكُم وأَيْديكُم مِنْه)؛[٨] حيثُ جَاء هذا الوَحي في مَوضع حَاجة المُسلِمين للماء؛ فَكانَ رَحمَةً وتَيسرًا لَهُم، وبَرَكةً مِنْ بَرَكات آل أَبي بَكر كَمَا سَمّاها أُسَيْد بن الحُضَيْر، حَيثُ شُرِع التَّيَمّم عِنْدَ هذه الوَاقعة، وأَخبَرَتْ السّيدة عَائشة -رضي الله عنها- بعد ذلك بِأنَّهُم وَجَودوا قِلادَتَها حِينَ أَقاموا البَعَير التي كَانوا قَدْ رَكِبوا عَليها في سَفَرِهم.[٩][١٠]


ما يستفاد من الحديث

يستفاد من الحديث الشريف عدّة فوائد ودروسٍ، منها ما يلي:[١١][١٢]

  • ثبوت مشروعية التيمّم وسببه في الكِتاب والسَُنَّة النبويّة.
  • في الحديث دلالةٌ على جَواز ارتداء النساء للحُليّ.
  • في الحديث دلالةٌ على جَواز الذَّهاب أو الإقامة في مكانٍ لا ماء فيه.
  • في الحديث دلالةٌ على جَواز تَأديب الرّجل لابْنته عِندَ الحاجة لذلك، كَمَا فعل أبو بكر الصديق مع السّيدة عائشة أُمّ المُؤمنين.
  • في الحديث دلالةٌ على جَواز دُخول الرّجل على ابنته عِنْدَ وُجود زَوجها معها إذا عُلِم رِضاه بذلك.

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:3672، صحيح.
  2. د. عبدالله بن حمود الفريح (11/12/2017)، "سبب نزول آية التيمم"، شبكة الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021. بتصرّف.
  3. شمس الدين الكرماني، كتا الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، صفحة 210. بتصرّف.
  4. بدر الدين العيني، كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري، صفحة 3. بتصرّف.
  5. أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني، كتاب الكوثر الجاري إلى رياص أحاديث البخاري، صفحة 6. بتصرّف.
  6. شمس الدين الكرماني، كتاب الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، صفحة 211. بتصرّف.
  7. بدر الدين العيني، كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري، صفحة 4. بتصرّف.
  8. سورة سورة المائدة، آية:6
  9. أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني، كتاب الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري، صفحة 6. بتصرّف.
  10. بدر الدين العيني، كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري، صفحة 6. بتصرّف.
  11. محي الدين بن شرف النووي، كتاب شرح النووي على مسلم، صفحة 59. بتصرّف.
  12. بدر الدين العيني، كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري، صفحة 6. بتصرّف.