حديث عن المطر

يظهر للباحث في السنّة النبويّة وهدي النبيّ الكريم؛ أنّ الحديث عن المطر جاء مفصّلاً، اشتمل على أمورٍ كثيرة؛ وإرشادات نبويّة عظيمة، حيث كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستغلّ نزول المطر في إرشاد النّاس إلى بعض الدّلالات وتنبيههم إلى ما يصلح عقيدتهم ويقوّي إيمانهم؛ ويمكن بيان ذلك بالأحاديث الآتية:


حديث عن التعرّض للمطر

ثبت عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (أَصَابَنَا وَنَحْنُ مع رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- مَطَرٌ، قالَ: فَحَسَرَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- ثَوْبَهُ، حتَّى أَصَابَهُ مِنَ المَطَرِ، فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ قالَ: لأنَّهُ حَديثُ عَهْدٍ برَبِّهِ تَعَالَى).[١]


حديث عن نزول المطر بأمر الله وفضله

ثبت عن زيد الجهني -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّى لَنَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ).[٢]


حديث الدعاء عند نزول المطر

ثبت في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (إنَّ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ إذَا رَأَى المَطَرَ، قالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا)؛[٣] ففي هذا الحديث يُرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى طلب المطر الشديد، النافع للعباد والبلاد؛ الكثير الطيّب، الذي لا يأتي بعذاب أو عقاب.


حديث عن الخوف من مطر يصحبه عذاب

ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (... كانَ -رسول الله- إذَا رَأَى غَيْمًا أوْ رِيحًا عُرِفَ في وجْهِهِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أنْ يَكونَ فيه المَطَرُ، وأَرَاكَ إذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ في وجْهِكَ الكَرَاهيةُ؟! فَقالَ: يا عَائِشَةُ، ما يُؤْمِنِّي أنْ يَكونَ فيه عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ، وقدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقالوا: هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا).[٤]


حديث عن الابتلاء بالقحط رغم نزول المطر

ثبت في الصحيح أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليسَ السَّنةُ -أيّ القحط- بألَّا تُمطَروا؛ ولكِنَّ السَّنةَ أنْ تُمطَروا، ثمَّ تُمطَروا، ولا تُنبِتُ الأرضُ شيئًا)؛[٥] وفي هذا الحديث يُبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الابتلاء بالجدب والجفاف ليس شرطاً أنْ يكون بعدم نزول المطر، بل بعدم الإنبات؛ فرب مطر لا ينفع الأرض والشجر والبشر، فلا ينبت الزرع، ولا يخرج به.


أحاديث عن الاستسقاء

يُقصد بالاستسقاء طلب السقيا والمطر من الله -تعالى-، لحاجة العباد إليه، وانتفاعهم به، وتضررهم من انحباسه؛[٦] وقد ثبت في السنة النبويّة الحديث عن طلب السقيا، والدعاء الثابت في ذلك، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الاستسقاء؛ ونذكر من ذلك:


طلب الدعاء لنزول المطر

  • ما ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ رَجُلًا، دَخَلَ المَسْجِدَ يَومَ جُمُعَةٍ مِن بَابٍ كانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، ورَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قَائِمًا، ثُمَّ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا...).[٧]


  • يتمّ أنس -رضي الله عنه- رواية المشهد؛ فيقول: (ولَا واللَّهِ، ما نَرَى في السَّمَاءِ مِن سَحَابٍ، ولَا قَزَعَةً وما بيْنَنَا وبيْنَ سَلْعٍ مِن بَيْتٍ ولَا دَارٍ، قالَ: فَطَلَعَتْ مِن ورَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أمْطَرَتْ، فلا واللَّهِ، ما رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا ...).[٧]


  • يقول أنس -رضي الله عنه-: (ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِن ذلكَ البَابِ في الجُمُعَةِ، ورَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا، قالَ: فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَدَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ علَى الآكَامِ والظِّرَابِ، وبُطُونِ الأوْدِيَةِ، ومَنَابِتِ الشَّجَرِ قالَ: فأقْلَعَتْ، وخَرَجْنَا نَمْشِي في الشَّمْسِ).[٧]


  • ما صحّ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، أنّ جمعاً من النساء البواكي أتين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشكين من انحباس المطر؛ فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: (اللَّهمَّ اسقِنا غيثًا مغيثًا، مريئًا مريعًا، نافعًا غيرَ ضارٍّ، عاجلًا غيرَ آجلٍ).[٨]


صلاة الاستسقاء

  • ثبت عن عبد الله بن زيد -رضي الله عنه- أنّه قال: (رَأَيْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَومَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قالَ: فَحَوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رداءهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِرَاءَةِ).[٩]


  • ورد عن ابن عباس -رضي الله عنه- أّنه قال في صفة النبي عندما خرج للاستسقاء: (خرجَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ- متواضعًا متبذِّلًا متخشِّعًا مترسِّلًا متضرِّعًا، فصلَّى رَكعتينِ كما يصلِّي في العيدِ، ولم يخطُب خُطبتَكم هذِهِ).[١٠]


إخبار سليمان عليه السلام عن استسقاء النمل

ورد في السنة النبوية أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (خَرَجَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَمَرَّ عَلَى نَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلَى قَفَاهَا رَافِعَةً قَوَائِمَهَا فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ، لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ رِزْقِكَ؛ فَإِمَّا أَنْ تُسْقِيَنَا، وَإِمَّا أَنْ تُهْلِكَنَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ لِلنَّاسِ: ارْجِعُوا، فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ).[١١]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:898، صحيح.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن خالد الجهني، الصفحة أو الرقم:846، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1032، صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4828، صحيح.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2904، صحيح.
  6. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 325، جزء 1. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1014، صحيح.
  8. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1169، صححه الألباني.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، الصفحة أو الرقم:1025، صحيح.
  10. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1053، حسن.
  11. رواه ابن أبي شيبة، في المصنف، عن أبي الصديق الناجي، الصفحة أو الرقم:34273، صححه الحاكم.