حديث الرسول عن تيسير الزواج

تيسير الله تعالى للراغب بالزواج

رغّب النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدد من الأحاديث النبويّة أصحابه وأبناء أمته من بعدهم بالزواج؛ وذلك لتحصين الفرج، وغض البصر، والابتعاد عن الفواحش، وتكثير النسل، وغيرها من المقاصد التي من أجلها شرع الله -تعالى- الزواج.


ولقد وعد النبي -صلى الله عليه وسلم- المقبل على النكاح من أجل الاستعفاف عن المحرّمات بالتيسير والإعانة من الله -جلّ في علاه-؛ لسمو قصده وغايته، ولصعوبة مثل هذه الأمور الشاقة؛ التي يكدح الإنسان في سعيّه إليها، والتي لا تتم إلا بفضل من الله وإعانة منه -سبحانه-؛ ويدلّ على ذلك الأحاديث الآتية:


  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم:... والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ).[١]


  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقٌّ عَلَى اللَّه عَوْنُ مَنْ نَكَحَ الْتِمَاسَ العَفَافِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه).[٢]


وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض أهل العلم علّلوا وعد الله -تعالى- للناكح بالإعانة؛ بأنّ العفاف قمع للشهوات التي جُبلت عليها النفس البشريّة، والتي من دون كبحها وتقييدها بالضوابط الشرعيّة تنزل النفس إلى مقام البهيميّة؛ فإذا استعفف الناكح، وتدراكه العون الإلهيّ؛ ارتقى إلى أسمى المراتب وأعلاها.[٣]


ومن هنا حثّ الصالحون على إعانة الراغبين بالحلال والزواج؛ فإنّ المعين نائب عن أداء الحقّ الذي أوجبه الله -تعالى- على نفسه، مما يعود بالخير والفضل والأجر على فاعله.[٣]


الأمر بتيسير المهور

أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى تيسير المهور المفروضة للنساء عند نكاحهنّ، والابتعاد عن مغالاتها؛ تسهيلاً لشباب وفتيات الأمة بالاقتران الحلال، وتكوين الأسر المسلمة.


ولقد قدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- نماذج عمليّة في هذا الأمر؛ فكانت مهور بناته من أيسر المهور، تسليطاً منه -صلى الله عليه وسلم- على الأسس الصحيحة لاختيار الزوج؛ من الكفاءة والدين والخلق، أكثر من تسليطه على المال والجاه والنسب؛ ويُستدلّ على ذلك بعدّة أحاديث نبويّة نذكرها على النحو الآتي:


  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (خيرُ النِّكاحِ أيسرُه).[٤]


  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ من يُمْنِ المَرأةِ تَيسيرَ خِطبَتِها، وتَيسيرَ صَداقِها، وتَيسيرَ رَحِمِها).[٥]


  • ما صحّ عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- قالَ لرجلٍ: أترضى أن أزوِّجَكَ فلانةَ؟ قالَ: نعَم، وقالَ للمرأةِ: أترضينَ أن أزوِّجَكِ فلانًا؟ قالت: نعَم، فزوَّجَ أحدَهما صاحبَهُ، فدخلَ بِها الرَّجلُ، ولم يفرض لَها صداقًا، ولم يعطِها شيئًا، وَكانَ مِمَّن شَهدَ الحديبيةَ، وَكانَ من شَهدَ الحديبيةَ لَهُ سَهمٌ بخيبرَ...).


  • يكمل عقبة بن عامر -رضي الله عنه- فيقول: (... فلمَّا حضرتْهُ الوفاةُ قالَ: إنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- زوَّجني فلانةَ ولم أفرِض لَها صداقًا، ولم أعطِها شيئًا وإنِّي أشْهدُكم أنِّي أعطيتُها من صداقِها سَهمي بخيبرَ، فأخذَت سَهمًا فباعتْهُ بمائةِ ألفٍ).[٦]


  • ما ثبت عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-، أنّه قال: (إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَ لِرَجُلٍ: تَزَوَّجْ ولو بخَاتَمٍ مِن حَدِيدٍ).[٧]


  • ما صحّ عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّه قال: (تزوَّجْتُ فاطمةَ -رَضِيَ اللهُ عنها-، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ابنِ بي، قال: أَعْطِها شيئًا، قلتُ: ما عندي مِن شيءٍ، قال: فأينَ دِرْعُكَ الحُطَمِيَّةُ؟ قلتُ: هي عِندي، قال: فأَعْطِها إيَّاهُ).[٨]


  • ما صحّ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنّه قال: (لاَ تغالوا صداقَ النِّساءِ، فإنَّها لو كانت مَكرمةً في الدُّنيا، أو تقوًى عندَ اللهِ، كانَ أولاَكم وأحقَّكم بِها محمَّدٌ -صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ-، ما أصدقَ امرأةً من نسائِهِ، ولاَ أصدقتِ امرأةٌ من بناتِهِ أَكثرَ منَ اثنتي عشرةَ أوقيَّةً، وإنَّ الرَّجلَ ليثقِّلُ صدقةَ امرأتِهِ، حتَّى يَكونَ لَها عداوةٌ في نفسِهِ...).[٩]


ما يُستفاد من الأحاديث السابقة

يمكن الإشارة إلى عدد من الدروس والفوائد التي تُستفاد من الأحاديث السابقة، والتي نلخصها على النحو الآتي:

  • شرع الله -تعالى- المهور تكريماً للمرأة؛ إذ بتقديمه لها يشعر الرجل بأنّها شيء غال نفيس، لا يُنال إلا بكدٍّ وبذل وعطاء.
  • ليس هنالك أحد أدنى أو أعلى للمهور؛ إنّما يرجع ذلك للأزواج ومقدرتهم، ولموافقة الزوجات وأوليائهنّ.
  • المغالاة في المهور لا تعدّ مكرمة في الدنيا؛ ولو كانت كذلك لكانت بنات ونساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بها.
  • يعدّ تيسير المهر والزواج من المرأة من يمنها وخيرها على زوجها، ومغالاته وتعسيره يفتح باب العداء في نفس الزوج تجاه زوجته؛ لثقله عليه حينئذ، أو عند ملاحظة قدره، وتفكره فيه بالتفصيل.[١٠]
  • عدّ بعض أهل العلم تيسير النفقة بعد الزواج من قِبَل الزوجة داخلٌ في عموم الأحاديث الحاثّة على تيسير بالزواج؛ مشيرين إلى أهميّة قناعة الزوجة بما ينفقه عليها زوجها حسب قدرته وطاقته.[١١]

المراجع

  1. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1655، حسنه الألباني.
  2. رواه السيوطي، في الجامع الكبير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:13536، حسنه الألباني.
  3. ^ أ ب عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير، صفحة 317، جزء 3. بتصرّف.
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان ، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:4072، أخرجه في صحيحه وقال الألباني إسناده صحيح على شرط مسلم.
  5. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:24478، حسنه الألباني.
  6. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:2117، صححه الألباني.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم:5150، صحيح.
  8. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:3375، قال الألباني حسن صحيح.
  9. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:1544، صححه الألباني.
  10. محمد الأمين الهرري، شرح سنن ابن ماجه للهرري مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، صفحة 131، جزء 11. بتصرّف.
  11. الملا على القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، صفحة 2049، جزء 5. بتصرّف.