حديث يا شدّاد وحكم المحدّثين عليه

رُوي عن شدّاد بن أوس -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- خاطبه فقال له: (يا شَدَّادُ، إذا رَأيتَ النَّاسَ يَكنِزونَ الذَّهبَ والفِضَّةَ، فاكنِزْ هؤلاء الكلماتِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ التَّثبُّتَ في الأمورِ، وعزيمةَ الرُّشدِ، وأَسألُكَ شُكرَ نِعمتِكَ، وحُسنَ عِبادتِكَ، وأَسألُكَ قلبًا سليمًا، ولسانًا صادِقًا، وخُلُقًا مُستقيمًا، وأَستغفِرُكَ لما تَعلَمُ، وأَسألُكَ مِن خيرِ ما تَعلَمُ، وأَعوذُ بكَ مِن شرِّ ما تَعلمُ، إنَّكَ أنتَ علَّامُ الغيوبِ)،[١] وقد أخرج الحديث أحمد في مسنده والطبراني، والحاكم في المستدرك وقال عنه: صحيحٌ على شرط مسلم، وأورده الألبانيّ في السلسلة الصحيحة وحكم بصحّة إسناده، وحسّنه بمجموع طرقه شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند أحمد.[٢][٣]


شرح حديث يا شداد

معاني مفردات الحديث

فيما يأتي بيانٌ لمعاني أبرز مفردات الحديث:[٤]

  • يكنزون: أصلها من الكنز، وهو الشيء الذي يُجمع ويُدّخر.
  • العزيمة: من العزم؛ وهو عقد القلب على القيام بشيءٍ.
  • الرشد: هو الهداية والصلاح والصواب.
  • قلبًا سليمًا: أي قلبًا خالٍ من الشرك والنفاق.


المعنى الإجمالي للحديث

إنّ من عهد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وعادته أن ينصح أصحابه ويوجّههم لما فيه خيرٌ لهم في دنياهم وآخرتهم، ومن ذلك تعليمهم لجملةٍ من الأدعية وحثّهم على قولها، كما حثّ شدّاد بن أوس -رضي الله عنه- وعلّمه هذا الدعاء،[٥] وهو دعاءٌ من جوامع الكلم؛ إذ تضمّن وشمل جوانب عدَّةً من حياة المسلم وشؤونه، ففي هذا الحديث يسأل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الله -تعالى- الاستقامة على دين الله -تعالى والتزام طاعته، والثبات على الاستقامة والدين إلى أن يلقى الله -تعالى-، ثمّ يسأل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الله -تعالى- أن يرزقه الجدّ في أمور الخير والصلاح؛ بحيث يقوم بهذه الأمور وينجزها كما يريد الله -تعالى-، فقد يعلم الإنسان من الأمور ما فيه صلاحٌ وخير، لكنّه لا يملك العزم والجدّ على القيام بها؛ لذا يسأل الله -تعالى- أن يرزقه الهمّة على ذلك.[٤]


كما يُرشد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى سؤال الله -تعالى- التوفيقَ إلى شكر نعمه التي أنعم بها على عباده، ويكون الشكر على النعم بالقول والعمل، كما سأل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- الله -تعالى- التوفيقَ والهدايةَ إلى عبادته على أحسن وأكمل وجهٍ يرضاه ويحبّه -سبحانه وتعالى-، ومن جملة ما تضمّنه الحديث دعاءُ الله -تعالى- بسلامة القلب؛ أي أن يحفظه الله -تعالى- نقيًّا بعيدًا عن مظاهر الشرك والنفاق، والرياء والعُجب، والغلّ والحقد، ودعاء الله -تعالى- بأن يرزقه لسانًا صادقًا؛ أي محفوظًا من الكذب وقول الزور وإخلاف الوعد، وأن يُخلِّقه بالأخلاق حسنةٍ.[٤]


ويختم النبيّ -عليه الصلاة والسلام- حديثه بالتذكير بسؤال الله -تعالى- من كلّ وجوه خير الدنيا والآخرة التي يعلمها هو -سبحانه وتعالى- ، والاستعاذة من كلّ وجوه الشر كبيره وصغيره، وظاهره وباطنه، وطلب المغفرة منه -سبحانه وتعالى- عن كلّ الذنوب والخطايا التي يعلمها ولا تخفى عليه، وفي ذلك إقرارٌ من العبد بذنوبه وتقصيره في حقّ الله -سبحانه وتعالى-. [٤]


ما يُرشد إليه الحديث

يرشد الحديث الشريف إلى جملةٍ من المعاني والدروس، منها ما يأتي:

  • حرص النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عى تعليم أصحابه، وتذكيرهم بالدعاء.[٥]
  • ضرورة سؤال الله -تعالى- الثبات؛ لكثرة ما يعرض للإنسان من فتنٍ وتقلّباتٍ في الحياة.[٢]
  • اشتمال حديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- على جوامع الكلم؛ حيث شمل الحديث أدعيةً كثيرةً تعمّ جوانب حياة المسلم، ووجوه الخير التي يرتجيها في الدنيا والآخرة.[٤]

المراجع

  1. رواه الحاكم النيسابوري، في المستدرك على الصحيحين، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم:1896، صحيح على شرط مسلم.
  2. ^ أ ب "أسألك الثبات في الأمر"، إسلام ويب، 25/3/2019، اطّلع عليه بتاريخ 3/8/2022. بتصرّف.
  3. شداد بن أوس، إذا كنَز الناسُ الذهبَ والفضة، فاكنِز هؤلاء الكلماتِ&st=a&xclude=&rawi[= "تخريج حديث: يا شداد بن أوس"]، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 3/8/2022. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ماهر بن عبد الحميد بن مقدم، شرح الدعاء من الكتاب والسنة، صفحة 511-522. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر (20/9/2010)، [https://www.alukah.net/sharia/0/25360/شرح-دعاء-"اللهم-إني-أسألك-الثبات-في-الأمر،-والعزيمة-على-الرشد..."/ "شرح دعاء: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد""]، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 3/8/2022. بتصرّف.