صحة أحاديث ليلة النصف من شعبان

ورد الحديث عن ليلة النصف من شعبان في عدّة أحاديث نبويّة؛ منها ما صحّحه العلماء، ومنها ما ضُعّف، ومنها ما تعددت الأقوال في شأن صحّته وتضعيفه؛ وتالياً ذكر عدد من هذه الأحاديث مع بيان صحّتها أو ضُعفها:


صحة حديث النزول

روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله -عز وجل- ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيغفر لأكثر من شَعْرِ غَنَمِ بني كلب -وهي قبيلة فيها غنم كثير-)؛[١] وهذا حديث ضعيف؛ ضعّفه البخاري لانقطاع سنده من موضعين؛ وهذا ما نقله الترمذي عن البخاري، كما في إسناد الحديث من تكلّم عنه العلماء من ناحية ضبطه؛ فقالوا في إسناده سليمان بن أبي كريمة، وله أحاديث مناكير.[٢]


صحة حديث المغفرة

روى البيهقي في شعب الإيمان عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله -عز وجل- يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم)؛[٣] وقد ضعّف أهل العلم هذا الحديث؛ لأنّ في إسناده العلاء بن الحارث الذي لم يسمع من عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-؛ فهو في حكم المُرسل. [٤]


كما أخرج البزار في مسنده عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه وأرضاه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا كان ليلةُ النصفِ من شعبانَ، يَنزلُ اللهُ -تبارَك وتعالى- إلى سماءِ الدنيا، فيغفرُ لعبادِه، إلا ما كان من مشركٍ أو مُشاحنٍ لأخيه)؛[٥] وقد حسّن البزار هذا الحديث قائلاً: "وإن كان في إسناده شيء فجلالة أبي بكر تحسّنه، وعبد الملك بن عبد الملك ليس بمعروف، وقد روى هذا الحديث أهل العلم ونقلوه، واحتملوه فذكرناه لذلك".[٦]


وفي رواية أخرى للحديث السابق: (يطَّلِعُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- إلى خلقِه لَيلةَ النَّصفِ مِن شعبانَ، فيغفِرُ لعبادِه إلَّا لِاثنَينِ: مُشاحنٍ، وقاتلِ نفْسٍ)؛[٧] وهذا الحديث صحيح بشواهده؛ فقد قال أهل العلم أنّ في إسناده ابن لهيعة وهو ليّن الحديث؛ أمّا بقية رجال سنده فقد وُثّقوا.[٨]


صحة حديث الصيام والقيام

وقد تكلّم العلماء كثيراً في صحة هذا الحديث، وصحة الاستدلال به على جواز صيام ليلة النصف من شعبان؛ الذي رواه ابن ماجه في سننه عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ، أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ، أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ، أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ).[٩]


وسبب تضعيف هذا الحديث واعتباره من قَبيل الحديث الموضوع أنّ في سنده أبا بكر بن محمد العامري؛ وهو متهمّ بوضع الحديث، وقد قال النسائي عنه أنّه متروك، بالإضافة إلى تضعيف البخاري له.[١٠]


صحة حديث صيام النبي في شعبان

أخرج النسائي في سننه عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنّه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللَّهِ! لم أركَ تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟ قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ)؛[١١] قد حسّن جمعٌ من أهل العلم هذا الحديث؛ لأنّ في إسناده ثابت بن قيس وهو صدوق يَهم، أمّا بقية رجاله فثقات.[١٢]


ليلة النصف من شعبان

بناءً على ما تقدم من الأحاديث النبوية وبيان آراء العلماء في صحّتها؛ فقد ذهب جمعٌ من التابعين، ومن وافقهم -من بعدهم- إلى استحباب قيام ليلة النصف من شعبان دون الاحتفال والمبالغة في مثل هذه الأمور؛ على اعتبار أنّ الأحاديث الدالة على فضلها مختلفٌ في ضُعفها، أو أنّها على ضُعفها يجوز العمل بها في فضائل الأعمال، حتى ذهب بعضهم إلى استحباب قيام وإحياء هذه الليلة جماعة في المسجد أو فرادى في البيوت؛ استدلالاً بالأحاديث الواردة في أداء النوافل، وقيام الليل، وجواز الاجتماع لذلك والتعاون عليه، ونحو ذلك من الأدلة التي يقوي بعضها بعضاً.[١٣]


أمّا القائلون بعدم جواز تخصيص هذه الليلة دون سواها بالقيام والصيام والإحياء؛ فذلك لأنّ هذه الأعمال لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدليل ثابت صحيح، كما لم يقم به أحد من الصحابة على حد قولهم.[١٣]

المراجع

  1. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:26018، ضعفه الألباني وقال البخاري يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة والحجاج بن أرطأة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير.
  2. القاضي أبو يعلى ابن الفراء، إبطال التأويلات، صفحة 303-304. بتصرّف.
  3. رواه البيهقي، في شعب الإيمان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1654، ضعفه الألباني.
  4. حسن بن علي الفيومي، فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، صفحة 721، جزء 5. بتصرّف.
  5. رواه البزار، في البحر الزخار، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم:207، حسنه الألباني وقال له شواهد.
  6. عبد الحميد شيخون، روايات البغوي في تفسيره معالم التنزيل عن شيخه عبد الواحد المليحي "تخريج ودراسة"، صفحة 521. بتصرّف.
  7. رواه الإمام أحمد، في المسند، عن عبدالله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:6642، صحيح بشواهده.
  8. الساعاتي، أحمد بن عبد الرحمن، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، صفحة 305، جزء 23. بتصرّف.
  9. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:1388، ضعفه الألباني وقال ضعيف جدا أو موضوع.
  10. عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي، صفحة 366-367، جزء 3. بتصرّف.
  11. رواه النسائي، في السنن الكبرى، عن أسامة بن زيد ، الصفحة أو الرقم:2357، حسنه الألباني وقال المنذري إسناده صحيح أو حسن أو ما يقاربهما.
  12. عبد الله بن عبد العزيز التويجري، البدع الحولية، صفحة 210. بتصرّف.
  13. ^ أ ب محمد الخضر حسين، موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، صفحة 161-162، جزء 4. بتصرّف.