تناول علماء الحديث الحديثَ المرسل، وبيّنوا معناه وحكمه وصنّفوا مصنَّفاتٍ جمعت الأحاديث المرسلة، وآتيًا في هذا المقال توضيحٌ له وبيانٌ لما يتّصل به من أمورٍ.


الحديث المرسل

تعريف الحديث المرسل

فيما يلي تعريف الحديث المرسل في اللغة والاصطلاح:

  • المرسل لغةً: المُرسَل اسم مفعولٍ مأخوذٌ من الإرسال، وهو الإطلاق؛ ومنه قوله تعالى: (أَلَم تَرَ أَنّا أَرسَلنَا الشَّياطينَ عَلَى الكافِرينَ تَؤُزُّهُم أَزًّا)؛[١] أي سلّطناهم عليهم، ولم نمنعهم منهم، ويقال: أرسلتُ الكلام إذ أطلقته من غير تقييده، فكأنّ المُرسِل أطلقَ الإسناد ولم يقيده براوٍ مخصوص مَعروف.[٢][٣]
  • المرسل اصطلاحًا: وأما في الاصطلاح فقد اختلف تعريف الحديث المرسل بين المحدّثين وعلماء الفقه وأصوله، وآتيًا بيان تعريفاتهم:
  • المرسل عند المُحدّثين: هو ما رواه التّابعي سواءً كان كبيرًا أم صغيرًا، فيقول التابعيّ: قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- دون أن يَذكُر الصّحابيَّ الذي نَقل عنه، وسُمّي مُرسلًا؛ لأنّه أرسل الحديث إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- دون أن يذكر اسم من سمع عنه من الصحابة،[٤] ولا بدّ من شرطٍ ذكره الحافظ ابن حجر للحديث المرسل؛ وهو أن يكون التّابعيّ سمعه من غير النبيّ عليه الصلاة والسلام؛ فإن سمعه من النبيّ حال كُفره، ثُمّ أسلم بعد ذلك ورفع الحديث؛ فإنّ حديثه يكون مُتَّصِلًا لا مُرسلًا، والمقصود بالتّابعي الكبير: من لَقيَ الكثير مِن الصّحابة وجالسهم وكانت كلّ روايته عنهم كسعيد بن المُسيّب، وقيس بن أبي حازم، وأَمثالَهم، وأمّا التّابعيّ الصغير: هو من لم يلقَ من الصحابة إلّا العدد القليل أو لقي جماعةً منهم ولكنّ كُلّ روايته كانت عن التّابعين كالزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأمثالهم.[٥]
  • المرسل عند الفقهاء والأُصوليين: الحديث المُرسَل عند الفقهاء والأصوليين هو قول التّابعيّ أو من دونه قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كذا أو فعل كذا، فالمُرسَل عندهم يَشمل المُرسَل عند المحدّثين والمُنقطع والمُعضل فهم يُطلقونَه على ما لم يتّصل إسناده، قال ابن الحاجب في مختصره: "لمُرسَل قول غير الصّحابي: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-".[٦]


حكم الحديث المرسل

اختلف الأئمة في حكم الحديث المُرسَل والاحتجاج به على ثلاثة أقوال:[٧]

  • ذهب جمهور المحدّثين وكثير من علماء الفقهاء وأصول الفقه إلى أنّ الحديث المُرسَل ضعيفٌ مَردودٌ؛ للجهل بحال الراوي المحذوف؛ لأنّه لا يلزم أن يكون التّابعيّ قد روى الحديث عن صحابيّ، بل يمكن أن يكون قد رواه عن تابعيٍّ آخر، ويُحتمل أن يكون ثقةً أو غير ثقةٍ، ومتى احتمل أن يكون المرويّ عنه ضعيفًا فقد سقط عن درجة الاحتجاج به، قال العلّامة ابن الصّلاح في مقدّمته: "ثُمَّ إنّ حُكم المُرسَل حُكم الحديث الضعيف، إلّا أن يصحّ مخرَجه بمجيئه مِن وجهٍ آخر، فوروده من وجهٍ آخر يدلّ على صِحّة مَخرج المُرسَل، وما ذكرنا من سُقوط الاحتجاج بالمُرسَل، والحُكم بضعفه هو ما استقرت عليه آراء جماهير حفّاظ الحديث".[٨][٩]
  • ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه إلى القول بالاحتجاج بالحديث المرسل، بشرط أن يكون المُرسَل ثقةً ولا يُرسِل إلّا عن ثقةٍ، واحتجّوا بأنّ كثيرًا من صغار الصحابة نقلوا أحاديث كثيرةً عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- واحتجّوا أيضًا بأنّ العدل الضابط الثقة في الحديث لا يُرسِل الحديث إلّا إذا عَلِم أو غَلَب على ظنّه أنّه صحيحٌ عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.[١٠]
  • ذهب الإمام الشافعيّ إلى القول بقبول الحديث المُرسَل بشروطٍ، ثلاثةٌ منها في الراوي المُرسِل وواحدٌ في الحديث المُرسَل، وهذه الشروط هي:[١١]
  • أن يكون المُرسِل من كِبار التّابعين.
  • إذا سمّى من أَرسَل عنه سمّى ثقة؛ أيّ أنّه إذا سُئِل عن اسم الراوي الذي حَذَفه فإنّه يَذكر اسم شخصٍ ثِقة.
  • إذا شاركه الحُفّاظ المَأمونون لم يخالفوه؛ أيّ أنّ الراوي المرسِل ضابطٌ تامُّ الضبط، بحيث إذا شاركه الرّواة الضابطون يوافقون على روايته.
  • أن ينضم إلى هذه الشّروط الثلاثة واحدٌ ممّا يلي:
  • أن يُروى الحديث من طريقٍ آخر مُسندًا.
  • أن يُروى الحديث من وجهٍ آخر مُرسَلًا أرسله مَن أخذ العلم عن غير رجال المُرسَل الأول.
  • أن يُوافق قول صحابي
  • أن تتلقاه الأُمّة بالقبول ويفتي بمقتضاه أكثر أهل العلم.


أمثلة على الحديث المرسل

فيما يلي أمثلةٌ على أحاديث مرسلةٍ:

  • ما رواه عمرو بن شعيب من قوله: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أتى على عليِّ بنِ أبي طالبٍ وقد خرج لصلاةِ الفجرِ وعليٌّ يقولُ: اللهم اغفرْ لي، اللهم ارحمْني، اللهمَّ تبْ عليَّ، فضرب النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مَنكَبَه وقال له: اعمُمْ ففضلُ ما بينَ العمومِ والخصوصِ كما بين السماءِ والأرضِ".[١٢]
  • ما رواه قتادة عن النبيّ عليه الصلاة والسلام: "افصِلوا بين شَعْبان ورَمَضان".[١٣]
  • عَنْ عُبَيْد الله بن عبد الله بِنْ عُتْبَة قال: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا قام إلى الصلاةِ مما يعجبُه : الثيابُ النقيةُ والريحُ الطيبةُ".[١٤]
  • عَنْ عَبد العزيز بن رُفيع قال: قال رسول الله صَلّى الله عليه وسلم: "عجِّلوا صَلاة النَّهَار في يوم غَيْمٍ، وأَخِّروا المَغرب".[١٥]


مصنفات في الحديث المُرسل

أفرد علماء الحديث كُتبًا خاصَّةً بالأحاديث المُرسلة، أشهرها:[١٦]

  1. كتاب المَراسيل لأبي حاتم الرَّازي.
  2. كتاب المَراسيل لأبي داود.
  3. كتاب التفصيل لمُبهم المَراسيل للخطيب البغدادي.
  4. كتاب تُحفة التحصيل فكر ذكر رواة المَراسيل لأبي زرعة بن عبد الرحيم العراقي المعروف بابن العراقي.
  5. كتاب جامع التَحصيل لأحكام المَراسيل للحافظ خليل بن كليكدي العَلائي، وقَدْ تحدَّث فيه حول أنواع الحديث المُنقَطع، ثم أورد أسماء المدَلِّسين، ثُمَّ الأسانيد المُنقَطِعَة.[١٧]



مواضيع أخرى:

الحديث الضعيف

الحديث الصحيح


المراجع

  1. سورة سورة مريم، آية:83
  2. حسن بن محمد مشاط، كتاب التقريرات السنية شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث، صفحة 51. بتصرّف.
  3. محمد أبو شهبة، كتاب الوسيط في علوم الحديث، صفحة 280. بتصرّف.
  4. محمد مصطفى الزحيلي، كتاب الوجيز في أصول الفقه، صفحة 94. بتصرّف.
  5. محمد أبو شهبة، كتاب الوسيط فس علوم ومصطلح الحديث، صفحة 280. بتصرّف.
  6. محمد أبو شهبة، كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، صفحة 281. بتصرّف.
  7. محمد الطحان، كتاب تيسير مصطلح الحديث، صفحة 89. بتصرّف.
  8. محمد أبو شهبة، كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، صفحة 282. بتصرّف.
  9. محمد الطحان، كتاب تيسير مصطلح الحديث، صفحة 89. بتصرّف.
  10. محمد مصطفى الزحيلي، كتاب الوجيز في أصول الفقه الإسلامي، صفحة 95. بتصرّف.
  11. سامي محمد، كتاب العمل الصالح، صفحة 10. بتصرّف.
  12. رواه أبو داود، في المراسيل، عن عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم:186، أورده في كتاب المراسيل.
  13. رواه أبو داود، في مراسيل أبي داود، عن قتادة بن دعامة، الصفحة أو الرقم:199، أورده في كتاب المراسيل.
  14. رواه أبو داود، في مراسيل أبي داود، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، الصفحة أو الرقم:135، أورده في كتاب المراسيل.
  15. رواه أبو داود، في مراسيل أبي داود، عن عبد العزيز بن رفيع، الصفحة أو الرقم:120، أورده في كتاب المراسيل.
  16. صلاح الدين العلائي، كتاب جامع التحصيل، صفحة 8. بتصرّف.
  17. نور الدين عتر، كتاب منهج النقد في علوم الحديث، صفحة 371. بتصرّف.