ذكر عُلماء الحديث أنَّ الحديثَ الصحيح له أنواع منها ما اتفق عليه الشيخان، أي الإمام البخاري والإمام مُسلم، وبعدها ذكروا ما انفرد به الإمام البخاري، ثمَّ ما انفرد به الإمامُ مسلم، ثمَّ ما كان على شرطيهما، وبعدها ما كان على شرط الإمام البخاري، ثمَّ ما كان على شرط الإمام مسلم، وبعدها ذكروا ما هو صحيحٌ عند غيرهما.[١]


شروط الحديث المتفق عليه

إنَّ للحكم باتفاق حديثٍ ما في كلا الصحيحين البخاري ومُسلم شروط، تالياً بيانها:[٢]

  • الاتفاق بلفظ المتن؛ ويقصدُ بالمتن: هو ما يكون في صُلب الشّيء، ومنه الشيء المتين، والمتن ما يُتقوّم به الشيء، ومتن الحديث هو الألفاظ التي يقوم بها، وقد تعدّدت آراء المُحدّثين في بيان المتن؛ أهو قول الصحابيّ عن النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام-، أو هو قول النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- فقط، والأصل في الاستخدام هو الرأي الأول.[٣]
  • أن يكونَ رواي الحديث هو نفس الصحابي.


وعليه فقد قالوا أنّ الحديث المتفق عليه هو: ما رواه الشيخان بنفس المتن عن نفس الصحابي.

في حين أنّ البعض الآخر لا يعتدّ باختلاف بعض الألفاظ في المتن، لاعتبار الحديث متفقًا عليه، وهذا ما قاله الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في مقدمة كتابه (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان)، وهو أحد الكتب التي جمعت الأحاديث المتفق عليها، حيث ذكر أنّ الحافظ ابن حجر لم يعتد بوقوع بعض المخالفة في السياقات ليحكم بأنّ الحديث متفقٌ عليه، طالما أنّ أصل الحديث واحد، وروي عن الصحابي ذاته في كلا الصحيحين.[٤]


شروط الإمام البخاري في صحيحه

وضع الإمام البخاري شرطين اثنين لقَبول الحديث في صحيحه، تالياً بيانهما:


الشرط الأول: طول صحبة الراوي لشيخه

فقد اشترط الإمام البخاري أن يكونَ الراوي طويل الصحبة لشيخه الذي يروي الحديثَ عنه، إضافةً إلى أن يكون مُلازماً له،[٥] والمقصود بطول الصحبة والملازمة للشيخ: أن يُصاحبَ الراوي شيخه مُدةً من الزمن، بحيث لا يفارق شيخه ولا ينفصل عنه أبداً، وأنْ يحرص على تقصّي مرويات وأحوال شيخه مدةً من الزمن،[٦] وفي هذا دلالة على قوة حفظ الراوي عن شيخه، وشدة اعتنائه وضبطه، ومن الشروط الداخلة في ذلك أيضاً؛ اتصال السند إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والمقصود باتصال السند: أن يكون كلّ راوٍ من سلسلة الرواة (أي في سند الحديث) قد سمع الحديث الذي رواه من الراوي الذي فوقه مباشرةً دون حذف أي راوٍ،[٧] ويُشترط أيضاً في الراوي أن يكونَ عدلاً وصولاً للصحابي، ويُقصد بعدالة الراوي: الصفة المتحقّقة في الراوي التي تدفعه إلى ملازمة التقوى والبُعد عن المعاصي والكبائر وعدم الإصرار عليها، والبُعد أيضاً عن كلّ ما يُنقصُ من قدره في مجتمعه.[٨][٥]


الشرط الثاني: اللقاء والمعاصرة

ومن شروط الامام البخاري أيضاً، الاتصال بأن يُعبّر كلّ راوٍ من الرواة في روايته عن شيخه بصيغةٍ صريحةٍ دالةٍ على أنَّه قد سمعَ منه والتقى به وعاصره، فيقول: سمعت وحدّثني وأخبرني، أو يقول: عن فلان أو أن فلاناً قال، وفي ذلك تأكيدٌ واضحٌ أنَّ الراوي قد التقى بمَن حدّث عنه ولو لمرةٍ واحدةٍ، مع اشتراط أنّه ثقةٌ،[٥][٩] والمقصود بالراوي الثقة: الراوي المجتمِع فيه صفتا العدل والضبط؛ أي أنّه مسلمٌ عاقلٌ بالغٌ لا يقترفُ الكبائر، ويحرصُ على اجتناب الصغائر والأفعال الخسيسة التي تحطّ من قدره، وهو أيضاً يسمع الحديث بإتقانٍ ويفهمُ معناه ويحتفظ به، وهذا هو الضبط، فاجتماعُ هاتين الصفتين تعني أنّ الراوي ثقةٌ،[١٠] ويُشترط فيه أيضاً ألّا يكون مُدلِّساً، ويقصدُ بالتدليس: أن يحدّث الراوي ممّن سمع منه الحديث أحاديث لم يسمعها بصيغةٍ تُوهم أنّه قد سمع منه، مثل قوله: عن فلان أو قال فُلان.[١١][٩]


المراجع

  1. السيوطي، كتاب تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، صفحة 131. بتصرّف.
  2. ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث2، صفحة 358. بتصرّف.
  3. محمد بن مطر الزهراني، كتاب علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع، صفحة 16. بتصرّف.
  4. محمد فؤاد عبد الباقي، كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت علي عبد الباسط مزيد، كتاب منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر، صفحة 265-266. بتصرّف.
  6. دمحمود رشيد، الملازمة وأثرها على الرواي، صفحة 2-3. بتصرّف.
  7. محمد أبو شهبة، كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، صفحة 225. بتصرّف.
  8. نور الدين عتر، كتاب منهج النقد في علوم الحديث، صفحة 79. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ابن الملقن، كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح، صفحة 84. بتصرّف.
  10. موسوعة المصطلحات الاسلامية، "معنى الثقة"، موسوعة المصطلحات الاسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.
  11. إسلام ويب (25/11/2001)، "التدليس: تعريفه...وأقسامه...والرد على من اتهموا بالتدليس"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 6/12/2021. بتصرّف.