يأتي التدليس في اللغة من الدَّلس؛ وهو اختلاط الظلمة بالنور، ويأتي بمعنى الستر والإخفاء والتغطية، ومن ذلك التدليس في البيع؛ أي أن يُخفي البائع عيوبًا في السلعة ن المشتري، والتدليس مصطلحٌ من مصطلحات علوم الحديث،[١] فما المراد بالتدليس في علوم الحديث؟ وما هو الحديث المدلَّس وأنواعه؟ آتيًا بيان ذلك.


ما هو الحديث المدلّس؟

تعريف التدليس

تعدّدت تعريفات علماء الحديث للتدليس والحديث المدلّس؛ تبعًا لنوع التدليس، إلّا أنّها تعريفاتٌ متقاربةٌ، ويمكن بوجهٍ عامٍّ تعريف التدريس بأنّه: أن يروي الراوي عمّن لقيه حديثًا لم يسمعه منه، أو أن يروي عن شيخه حديثًا لم يسمعه منه، ويروي بصيغة توحي وتُوهم أنّه سمع منه الحديث مع أنّه لم يسمعه،[١] أو أن يروي الراوي عمّن عاصره وعاش في زمنه، إلّا أنّه لم يلتقِ به، موهمًا أنّه سمع منه.[٢]


أنواع التدليس

يُقسّم علماء الحديث التدليس إلى أنواعٍ عديدةٍ، ومنهم من يُرجع كلّ أنواع التدليس إلى نوعين رئيسيّين، هما: تدليس الإسناد، وتدليس الشيوخ،[٣] ومن العلماء من يضيف إلى أنواع التدليس تدليس التسوية،[٤] ومنهم من يعتبره تابعًا لتدليس الإسناد وقسمًا من أقسامه، وفيما يأتي تعريفٌ بكلّ نوعٍ من هذه الأنواع.


تدليس الشيوخ

وهو أن يروي الراوي عن شيخه الذي سمع منه، لكن يسمّيه ويذكره باسمٍ أو كُنيةٍ أو لقبٍ لم يُعرف شيخه أو يشتهر به؛ ليوهم الناس فلا يعرفوا شيخه، وقد لا يكون قصد الراوي في أحيانٍ أن يُخفي اسم شيخه للتدليس وإخفاء عيبٍ ما في الإسناد، وإنّما ذكره باسمٍ أو لقبٍ آخر له من باب التنويع في الرواية، ويكون هذا الاسم أو اللقب معروفًا للعلماء المختصين في دراسة الأسانيد،[٥] ومثاله قول أبي بكر بن مجاهد -وهو أحد أئمة القرّاء-: "حدّثنا عبد الله بن أبي عبد الله"، ويقصد به: أبو بكر بن أبي داود السجستاني، وهو الاسم الذي يُعرف ويشتهر به لا عبد الله بن أبي عبد الله، وتدليس الشيوخ مكروهٌ عند علماء الحديث، إلّا أنّه أقل كراهةً من تدليس التسوية والإسناد؛ لأنّ الراوي المدلّس لم يسقط أحد الرواة، وإنّما سمّى شيخه بما لا يُعرف به من الأسماء أو الألقاب.[٤]


تدليس الإسناد

ويُقصد بتدليس الإسناد أن يروي الراوي عمّن سمع منه ما لم يسمعه منه؛ يعني أن يروي الراوي عن شخصٍ حديثًا لم يسمعه منه، لكنّه سمع منه أحاديث أُخرى، أمّا الحديث الذي دلّسه؛ فلم يسمعه منه، لكنّه يُوهم الآخرين حين يروي الحديث أنّه قد سمعه منه بقوله: قال فلان، أو عن فلانٍ، إلّا أنّه لا يذكر صراحةً أنّه سمع الحديث منه؛ فلا يقول حدّثني فلانٌ أو سمعت فلانًا، إنّما يقول: قال فلان أو عن فلانٍ، ومثال تدليس الإسناد: قول سفيان بن عيينة -وهو من المحدِّثين-: "قال الزُّهْرِي: كذا"، وحين سُئل ابن عيينة إن كان سمع من الزهريّ، قال: "حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري"؛ فابن عيينة هنا أسقط اثنين بينه وبين الزهري هما عبد الرزاق ومعمّر، وتوهّم من سمعه أنّه سمع من الزهري مباشرةً، وقد كره علماء الحديث تدليس الإسناد جدًّا، وعدّه بعضهم نوعًا من الكذب.[٤]


تدليس التسوية

وهو أن يروي الراوي الحديث عن شيخه الثقة، فيكون بين شيخه الثقة وراوٍ ثقةٍ بعده راوٍ ضعيفٌ؛ فيدلّس راوي الحديث بحذف الراوي الضعيف الذي بين شيخه والراوي الثقة؛ ليوهم من يسمع الحديث أنّه مروي من ثقةٍ عن ثقةٍ التقيا، وليس بينهما راوٍ ضعيفٌ، ومن العلماء من عدّ تدليس التسوية أشد أنواع التدليس كراهةً، واعتبروه قادحًا في الراوي الذي يفعله متعمّدًا.[٤]


حكم رواية المدلِّس

تعدّدت أقوال العلماء في حكم رواية المدلِّس وهل تُقبل روايته أم لا؛ فقال بعضهم بأنّ رواية المدلِّس تُردّ ولا تُقبل مطلقًا؛ لأنّهم يعتبرون التدليس نفسه فعلًا يجرح في الراوي والروايته، ومن العلماء من فصّل في الحكم؛ فقالوا: إن صرّح الراوي بأنّه سمع عمّن روى عنهم؛ قُبلت روايته، وإن لم يُصرّح بالسّماع، فلا تُقبل روايته.[٤]


كيف يُعرف التدليس؟

يُعرف التدليس بأحد أمرين، هما:[٤]

  • تصريح الراوي نفسه بأنّه دلّس -كما صرّح ابن عيينة في المثال السابق الذكر في تدليس الإسناد-.
  • أن يكشف التدليس علماء الحديث المختصين بدراسة الأسانيد من خلال تتبّعهم وبحثهم في سلسلة الرواة.


كتب ومصادر في معرفة التدليس في الحديث

صنّف العلماء كُتبًا ومصادر جمعت بين أسماء المدلِّسين من الرواة، أو بيّنت طُرقهم في التدليس، ومن هذه المصنّفات:[٤]

  • التبيين لأسماء المدلسين: وألّفه برهان الدين بن الحلبي -رحمه الله-.
  • التبيين لأسماء المدلسين: وصنّفه الخطيب البغدادي -رحمه الله-.
  • تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس: وصنّفه ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-.



مواضيع أُخرى يمكنك قراءتها:

مقال مصطلح الحديث

مقال الحديث النبويّ

المراجع

  1. ^ أ ب محمد حسن عبد الغفار، شرح كتاب التدليس في الحديث للدميني، صفحة 2. بتصرّف.
  2. عبد الله الجديع، تحرير علوم الحديث، صفحة 952. بتصرّف.
  3. ابن كثير، الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث، صفحة 53-55. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ محمود الطحان، تيسير مصطلح الحديث، صفحة 96-106. بتصرّف.
  5. سعد الحميد، دروس في شرح البيقونية، صفحة 17. بتصرّف.