صحة حديث (خير الأسماء ما عبد وحمد)

اشتهر على ألسنة العديد من الناس عبارة "خيرُ الأسماءِ ما حُمِّدَ وعُبِّد"؛ أيّ أنّ أفضل الأسماء ما كان "أحمد ومحمد" ونحوهما، وأفضل الأسماء ما كان فيه تعبيد لله -تعالى؛ مثل: "عبد الله، وعبد الكريم، وعبد الودود، وعبد الحكم..."، ونحو ذلك من الأسماء.


ولقد تمّ نسبة العبارة السابقة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي ليست بحديث، ولا أصل لها في السنّة والأحاديث النبويّة؛[١] ولقد تكلّم أهل العلم في هذه العبارة أثناء تخريج الأحاديث، وأشاروا لعدم صحّة نسبتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وننقل من أقوالهم:[٢]

  • قال بعض أهل العلم: "هذا الحديث لا يُعرف".
  • قال السيوطيّ -رحمه الله-: "لم أقف عليه".
  • قال الملا القاري: "الأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي التَّسْمِيَة بِأَحْمَد لَا يثبت مِنْهَا شَيْء".[٣]
  • قال السخّاويّ: "... وأما ما يذكر على الألسنة من: (خير الأسماء ما حمد وما عبد)؛ فما علمته".[٤]


حديث صحيح في فضل التعبيد لله

يجدر التنبيه إلى أنّ العبارة السابقة، وإن لم تصحّ في نسبتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنّها تحمل في دلالتها معنىً صحيحاً؛ في فضل التعبيد لله -تعالى- تحديداً، فقد ثبت في صحيح مسلم؛ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ أحَبَّ أسْمائِكُمْ إلى اللهِ: عبدُ اللهِ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ).[٥][٦]


وفي رواية أخرى: (أحبُّ الأسماءِ إلى اللهِ عبدُ اللهِ، وعبدُ الرحمنِ، وأصدُقُها حارثٌ، وهَمَّامٌ...)،[٧][٨] كما رُوي حديثٌ ضعيفٌ يتقوّى بحديث مسلم؛ جاء فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سميتُم فعبِّدُوا).[٩][٦]


وبناءً عليه؛ فإنّ هذه الأحاديث تبيّن فضل التعبيد لله -تعالى-، ويلحق بها كل ما أضيف إلى كلمة "عبد" من أسماء الله الحسنى؛ مثل "عبد الوهاب، وعبد المجيد، وعبد الخبير، وعبد البصير"، ونحوها، ولا يصحّ أن يُضاف التعبيد إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا إلى الملائكة؛ كأن يُقال: "عبد النبي أو عبد الرسول، أو عبد جبريل"، فهذا مُحرّم، لا يجوز.[٨]


ضوابط التسميّة في الشريعة الإسلامية

أرشدت الشريعة الإسلاميّة الآباء والأمهات إلى الإحسان للأبناء بحسن اختيار أسمائهم؛ لأنّ اسم الاسم يعدّ بمثابة الهوية الأولى للإنسان؛ التي تدلّ عليه، وتلازمه طوال حياته، وبعد مماته؛ فقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّكم تُدْعَوْن يومَ القيامةِ بأسمائِكم وأسماءِ آبائِكم؛ فحسِّنوا أسماءَكم).[١٠][١١]


ولقد اعتنى العلماء في هذه المسألة، وألفوا فيها المؤلفات، وبيّنوا ضوابط اختيار الأسماء وفق ما ورد في الشريعة الإسلامية، كما أشاروا إلى الأسماء المكروهة والممنوعة؛ واستندوا على ذلك أيضاً بما ورد في الشريعة الإسلامية؛ ويمكن تلخيص أبرز الضوابط في اختيار الأسماء على النحو الآتي:[١١]


  • تحريم كل اسم فيه تعبيد لغير الله -تعالى- كما أشرنا سابقاً.
  • تحريم التسمية بأسماء الله -تعالى-، التي اختصّ بها لنفسه؛ كالتسمية بـ: "الرب، المهيمن، الرحمن، الرحيم...".
  • تحريم التسمية بأسماء الشياطين التي وردت في السنّة النبويّة؛ كالتسمية بـ: "خنزب، الأجدع، ولهان...".
  • الابتعاد عن كل اسم فيه مبالغة بالتزكيّة، أو ما كان فيها نوع من أنواع الكذب، أو نسبة أمر ليس موجوداً في المسمّى؛ كالتسمية بـ: "سلطان السلاطين، ملك الأملاك أو الملوك، حاكم الحكّام...".
  • الابتعاد عن الأسماء التي تنفر منها النفوس؛ لتضمنها على معنىً قبيحاً، أو مثيراً للسخريّة والاستهزاء؛ كالتسمية بـ: "حرب، صعب...".
  • الابتعاد عن الأسماء التي تثير الشهوات، وتحرّك العواطف، لا سيما في أسماء الإناث؛ كالتسمية بـ: "هيام، غزل، دلع...".
  • الابتعاد عن الأسماء الأعجمية التي اشتهرت عند أصحاب الملل الأخرى من أهل الشرك، أو اشتهرت عند أهل الفسق.

المراجع

  1. ابن عثيمين، شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث، صفحة 70. بتصرّف.
  2. العجلوني، كشف الخفاء، صفحة 390، جزء 1. بتصرّف.
  3. الملا على القاري، المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، صفحة 248.
  4. شمس الدين السخاوي، المقاصد الحسنة، صفحة 87.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2132، صحيح.
  6. ^ أ ب شمس الدين السخاوي، المقاصد الحسنة، صفحة 87. بتصرّف.
  7. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي وهب الجشمي، الصفحة أو الرقم:4950، صححه الألباني.
  8. ^ أ ب ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، صفحة 275، جزء 25. بتصرّف.
  9. رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن أبي زهير الثقفي، الصفحة أو الرقم:179، ضعفه ابن حجر.
  10. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:5818، أخرجه في صحيحه وقال المنذري إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  11. ^ أ ب حسام الدين عفانة، فتاوى يسألونك، صفحة 274-277، جزء 14. بتصرّف.