يقصدُ بعلوم الحديث: المعارف التي تتصل بالحديث من ناحية نقله ومعرفة صحيحه من ضعيفه،[١] وفي هذا المقال بيانٌ لعدد علوم الحديث وما يتعلّق به من مصطلحات ومفاهيم.


كم عدد علوم الحديث؟

وضع العُلماء اعتبارات مختلفة حدّدوا من خلالها عدد علوم الحديث، وبناء على ذلك اختلفوا في عددها، ولكنهم إجمالاً قد بينوا أن جميع علوم الحديث تندرج تحت قسمين، حيث اعتبروا أن هذين القسمين أساسان،[٢] وتالياً بيانهما:


علم الرواية

ويُقصد بعلم رواية الحديث ما يلي:[٣]

  • العلم الذي يُعنى بالبحث بما ورد عن النبيِّ-صلى الله عليه وسلم- من قولٍ، أو فعلٍ، أو تقرير، أو صفة خَلقية أو خُلقية، وكذلك ما ورد عن الصحابة والتابعين.
  • العلم المهتم بالإلمام بالروايات التي ترد عن النبي-صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين.
  • العلم الذي يعتني بضبط الراوية الواردة عن النبي-صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة والتابعين؛ ويقصدُ بضبط الرواية أنَّ الراوي ينقلُ الحديث كما سمعه دون أن يضيف عليه شيء أو يُنقصَ منه شيء.[٤]
  • العلم الذي يهتم بدراسة السند، وذلك لغرض تصنيف الحديث إلى صحيح أو حسن أو ضعيف؛ ويقصد بالسند: سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول.[٥]


علم الدراية

ويسمى أيضاً باسم مصطلح الحديث أو أصول الحديث، وتالياً بيان المقصود بعلم الحديث درايةً:[٦]

  • هو العلم والإحاطة بالقوانين الموصلة إلى معرفة أحوال سند الحديث؛ وبناء على ذلك يتوصل من يبحث في ذلك إلى معرفة أحوال رجال الحديث الذي نقلوا الحديث واحداً عن واحدٍ وصولاً للنبي-صلى الله عليه وسلم-، فيكون على دراية تامة بمعرفة السند المتصل أو المنقطع، أو إن حصل شيءٌ من التدليس في السند، أو تقصيرُ بعض رجال الحديث بسماعهم للحديث أو سوء حفظهم للحديث، أو أن يكون بعضُ رجال الحديث متهمين بالكذب أو الفسق.
  • ويقصدُ باتصال السند: هو أن يروي التلميذ عن شيخه مباشرةً سواءً أكان بالسماع أو بالكتابة أو بقراءته عليه،[٧] وأمّا انقطاع السند فالمقصود به: هو عدم اتصال في أول السند أو في وسطه أو في آخره، فيصبحُ الحديث ضعيفاً بحدوث هذا الانقطاع؛ لأنَّ اتصال السند يعد شرطاً من شروط صحة الحديث،[٨] والمقصود بالتدليس: أي أن يتم إخفاءُ عيبٍ من عيوب السند؛ كأن يروي الراوي عن شيخ قد سمع منه بعض الأحاديث، لكن هذا الحديث الذي دلسه لم يسمعه منه، وإنما سمعه من شيخ آخر عنه.[٩]
  • وهو العلم والإحاطة بالقوانين المؤدية إلى معرفة متن الحديث؛ ويقصدُ بمتن الحديث هو ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم أو أفعاله أو تقريراته،[١٠] فيكشفُ ذلك العلم ما قد يحصلُ في المتن من الرفع، أو الوقف، أو القطع، ويحكم على صحة الحديث إن كان صحيحاً، أو حسناً، أو ضعيفاً.
  • ويقصد بالرفع أو الحديث المرفوع: هو ما يضافُ إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو صفة، بغض النظر عمن كان المضيف هو الصحابي أو شخصاً دونه وسواءً أكان السند متصلاً أو منقطعاً، ويسمي بذلك نسبةً إلى صاحب هذا المقام الرفيع محمد -صلى الله عليه وسلم-.[١١]
  • ويقصد بالوقف أو الحديث الموقوف: هو ما أضيف للصحابي من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير، سواءً كان السندُ متصلاً أو منقطعاً،[١١]وأمّا المقطوع: فهو ما أضيف للتابعي أو من دونه من قولٍ أو فعل، سواءٌ كان السند متصلاً للتابعي أو مقطوعاً.[١١]
  • وهو العلم والإحاطة بالقوانين التي من خلالها نحكم على الحديث من حيث قبوله أو رده عموماً، حيث يختصُ علم الرواية بتطبيق هذه القواعد على الحديث للتوصل لقبوله أو رده، ومعرفة رواته، وشرح مفرداته، وبيان الفوائد المستنبطة منه.


نشأة علم الحديث

على النحو التالي بيان نشأة علم الحديث:[١٢][١٣]

  • انطلقت نشأة علم الحديث من المدينة المنورة التي أطلق عليها دار السُنة؛ فكان الصحابة-رضوان الله عليهم- يتلقون الحديث النبوي من النبي-صلى الله عليه وسلم- وبعدها يتناقلوه بينهم مشافهة أو كانوا يلقّنون بعضهم البعض، وبعدها تلقى التابعون الحديث من أفواه الصحابة-رضي الله عنهم- أيضاً في المدينة المنورة، فكانت المدينة مهبطاً ومناخاً جيداً لرواة الحديث ولمن يريدُ الرواية والاستزادة، وكان أئمة الحديث يقصدون المدينة المنورة طلباً لسماع الحديث من الرواة الثقات الذي كانوا ذا ضبط للحديث النبوي الشريف.
  • ومن ثم انفردت وتميّزت المدينة المنورة في بداية نشأة علم الحديث برواية أكثر أحاديث السنة النبوية المطهرة، وبعدها بدأت بعضُ البلاد كالبصرة وحمص والشام بالتفرّد ببعض روايات الأحاديث وأصبحن مكاناً مناسباً لقدوم أئمة الحديث إليها، فبدؤوا يرحلون لطلب الحديث في القرن الهجري الأول ليسمعوا الحديث من أهلها حتى لو كان حديثاً واحداً.
  • وقد لجأ علماء الحديث في وضع أسس هذا العلم من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن أقوال الصحابة والتابعين، وقد بّين القرآن الكريم عدالة الصحابة فقال الله سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً)،[١٤] وقد جاءت آياتٌ أخرى مبينةً أهمية اتصال السند وأهمية آداب طلب العلم، ونثرت السنة النبوية قواعد علم الحديث وقد تم الاعتماد على أقوال الصحابة والتابعين في ذلك.
  • واستمر تناقل قواعدُ علم الحديث شفوياً بين أهل العلم حتى جاءت مرحلة التدوين، فكان الإمام الشافعي-رحمه الله- أولَ من كتب في أصول علم مصطلح الحديث في كتابه المُسمى (الرسالة)، وكان الإمام البخاري والإمام مسلم كذلك قد كتبوا في قواعد علم المصطلح، وبقيت هذه القواعد مفرّقة في أذهان العلماء وفي كتبهم خلالَ القرون الثلاثة الأوُل، وبعدها جاء الإمام الرامهرمزي ووضع أولَ كتابٍ في علم مصطلح الحديث أُطلق عليه (الفاصل بين الراوي والواعي) وبعدها تتابعت المصنفات في هذا العلم الجليل.


أهميّة علم الحديث

يعتبر علم الحديث من أهم العلوم التي يجبُ على المسلمين أن يحافظوا عليها، فهو أشرفها وأعظمها والواجب أن يتدارسه المسلمون بينهم؛ وآتياً بيانُ أهميّة هذا العلم:[١٥][١٦]

  • يستمدُ هذا العلم أهميته من أهمية موضوعه وقيمته؛ فموضوعه السنة النبوية الشريفة، والتي أوصى بها النبي-صلى الله عليه وسلم- وحثَّ على الحرص عليها وتطبيقها وتناقلها ودراستها؛ ففيها منهج الدين.
  • يعتبر علم الحديث من أهم العلوم التي حرصت على الحفاظ على الميراث الإسلامي الحديث، فبذل العلماء الجهود الجبارة في نقل الحديث عن النبي-صلى الله عليه وسلم- كما سمعوه دون أي زيادة أو نقصان، ومن هنا حافظوا على السنة النبوية وأوصولها لنا.
  • يعدُّ علم الحديث من العلوم التي أسس لها علماءها قواعد وضوابط، لحفظ الأحاديث من الكذب والتدليس.
  • علم الحديث مهمٌ جداً ويحتاجُ لعقول صافية لدراسة الأسانيد وصحتها، ودراسة المتون ومعرفة المقبول منها والمردود.[١٧]




المراجع

  1. عبدالله الجديع، كتاب تحرير علوم الحديث، صفحة 20. بتصرّف.
  2. إسلام ويب (8/4/2012)، "عددعلوم الحديث وأنواع الكتب المؤلفة فيه وما الذي يقرؤه طالب الحديث"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  3. نور الدين عتر، كتاب منهج النقد في علوم الحديث، صفحة 30-31. بتصرّف.
  4. د.محمد عبدالله العجمي (9/9/2018)، "اشتراط الضبط في راوي الحديث"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 14/12/2021. بتصرّف.
  5. أبو بكر كافي، كتاب منهج الإمام البخاري، صفحة 160. بتصرّف.
  6. نور الدين عتر، كتاب منهج النقد في علوم الحديث، صفحة 32-34. بتصرّف.
  7. محمد حسن عبد الغفار، كتاب شرح البيقونية، صفحة 4. بتصرّف.
  8. أسامة سليمان، كتاب شرح البيقونية، صفحة 4. بتصرّف.
  9. محمود الطحان، كتاب تيسير مصطلح الحديث، صفحة 97. بتصرّف.
  10. إسلام ويب (9/11/2005)، "متن الحديث معناه وسبب التسمية"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت إسلام ويب (29/12/2001)، "الحديث المرفوع والموقوف والمقطوع...تعريفه... وأمثلته"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 15/12/2021. بتصرّف.
  12. صبحي الصالح، كتاب علوم الحديث ومصطلحه، صفحة 50-54. بتصرّف.
  13. شهاب الدين الخُوَيِّي، كتاب نظم علوم الحديث أقصى الأمل والسول في علم حديث الرسول، صفحة 9-13. بتصرّف.
  14. سورة البقرة، آية:143
  15. جمال الدين القاسمي، كتاب قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، صفحة 43. بتصرّف.
  16. حسن أيوب، كتاب الحديث في علوم القرآن والحديث، صفحة 165. بتصرّف.
  17. ماهر الفحل، كتاب بحوث في المصطلح للفحل، صفحة 61. بتصرّف.