الحديث القدسي هو من الأحاديث التي لفظها رسول الله، ولكنها وحي من عند الله وليست بقرآن، أي أنّ الحديث القدسي هو كلام الله يرويه الرسول الكريم عن ربه، ولكنه ليس بحكم القرآن الكريم من حيث التعبد فيه في الصلاة، أو قراءته لنيل الثواب، كما وجب التنويه بأن الأحاديث القدسية ليست محفوظة من التحريف، فهي مثلها مثل الأحاديث النبوية، فمنها ما هو صحيح، ومنها ما هو ضعيف أو منكر أو متروك بحكم علماء الحديث، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عديد من الأحاديث القدسية، سندرج مجموعة من قصارها مع توضيح مبسط لكل منها.[١]


أحاديث قدسية قصيرة

فيما يلي مجموعة من الأحاديث القدسية القصيرة مع شروحها المبسطة:


حديثٌ إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيْهِ

إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ، فَصَبَرَ؛ عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ. يُرِيدُ عَيْنَيْهِ.[٢]


في هذا الحديث يروي النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، أنه وعد العبد إذا صبر على فقدان بصره في كلتا عينين، وعوضه عنهما في الآخرة بالجنة، وقد سميت العينان بالحبيبتين لأثرهما الكبير في حياة الإنسان.


حديث يؤذيني ابن آدم يسب الدهر

قالَ اللَّهُ تَعالَى: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ:، وأنا الدَّهْرُ، بيَدِي الأمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ.[٣]


ينسب سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي الدهر أي الزمن إلى ذاته وإن قصرت مدته أو طالت إليه، وذلك لأن تصريف الدهر وما فيه بيد الله وحده، وإن سبّ أحدهم الدهر أو الزمن لمصيبة أصابته أو لأي شيء كان، كمن تطاول على الله، ويحض هذا الحديث على التأدب مع الله تعالى.[٤]


حديث أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ

صَلَّى لَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بالحُدَيْبِيَةِ علَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَقالَ: هلْ تَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ.[٥]


يوضح راوي الحديث وهو زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى فيهم الصبح بالحديبية، وكان المطر قد نزل فيها، فلما انتهت الصلاة أقبل الرسول على المصلين، وأخبرهم عن الله عز وجل، أنه من يقول أن نزول المطر برحمة الله وفضله فهو مؤمن بالله، وكافر بالكوكب أي التنجيم، وأن من يقول أن نزول المطر مقترن أو بفعل منازل القمر وهي كما وردت بالحديث (النوء) فهو كافر بالله ومؤمن بالكوكب.[٦]


حديث أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي

يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً.[٧]


يبين لنا الله تعالى في هذا الحديث أنه -عز وجل- عند ظن العبد فيه، فإن كان خيراً فهو له، وإن كان شراً فهو له، كما يوضح لنا أنه -سبحانه وتعالى- يجازي العبد بأكثر مما يعمل، فإن ذكر الله في نفسه (أي سبح أو حمد أو أي ذكر فيه تعظيم لله) بمعزل عن الناس، ذكره الله في نفسه وهي الذات الإلهية، وإن ذكر الله أمام الناس وهم الملأ، ذكره الله في الملأ الأعلى كما قال المفسرون وهم أفضل من الملأ من الناس، وأنه -سبحانه وتعالى- يقبل على العبد بأكثر مما يقبل عليه العبد[٨]


حديث أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ

قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ. وقالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى، لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ. وقالَ: أرَأَيْتُمْ ما أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ؟! فإنَّه لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ، وكانَ عَرْشُهُ علَى الماءِ، وبِيَدِهِ المِيزانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ.[٩]


يحث هذا الحديث عموم المسلمين على الإنفاق، سواء كان الأمر فرضًا عليهم كما في إعالة ذويهم، أو تطوعًا على شكل صدقة، حيث إن الله يعوض كل منفق أضعافاً مضاعفة، ويبين -سبحانه وتعالى- أنه ما في يده من خير ورزق لا ينقص من نفقة، وأن يد الله دائمة العطاء في كل الأوقات، كما يوضح هذا الحديث عِظم ما عند الله من خير وعطاء، إذ إن جميع ما أنفق من أول الخليقة لم ينقص مما في يده -سبحانه وتعالى- شيئاً.


كما ورد في هذا الحديث إخبار؛ أن عرش الرحمن الذي استوى عليه استواء يليق بجلاله موجود على الماء منذ الأزل، وأنه -سبحانه وتعالى- يحكم بالعدل ويرفع من يشاء ويخفض من يشاء، ووجب التنويه أن ما جاء في هذا الحديث يجب الإيمان فيه كما جاء دون السؤال عن الكيف أو محاولة التأويل.[١٠]


المراجع

  1. "المراد بالحديث القدسي"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5653، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:7491، صحيح.
  4. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن خالد الجهني، الصفحة أو الرقم:846، صحيح.
  6. "شروح الحديث"، الدرر السنية. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:7405، صحيح.
  8. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4684، صحيح.
  10. "شروح الأحاديث"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 25/10/2023. بتصرّف.