صحة حديث (الجنة تحت أقدام الأمهات)

أخرج الدولابي في كتابه الكنى والأسماء؛ عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الْأُمَّهَاتِ)،[١] وفي رواية أخرى لابن عديّ عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الجنَّةُ تحتَ أقدامِ الأمَّهاتِ؛ مَن شِئنَ أدْخَلنَ، ومَن شِئنَ أخْرَجْنَ).[٢]


وهذا الحديث أخرجه جمعٌ من أهل العلم؛ منهم: أبو بكر الشافعي في الرباعيات، وأبو الشيخ الأصبهاني في الفوائد والتاريخ، والثعلبي في تفسيره، والقضاعي في مسند الشهاب، والدولابيّ كما أشرنا في الكنى والأسماء؛ ولقد تكلّموا في رجال إسناده؛ ففي السند رجل يُدعى الدمياطيّ؛ وهو كاذب ويأتي بالأباطيل كما قال عنه أبو حاتم، وقال عنه ابن حبان بأنّه رجل يروي عن الثقات؛ ولكنّه يسند إليهم ما لا أصل له.[٣]


كما رُوي هذا الحديث بأسانيد أخرى؛ فقد رُوي من طريق رجل يُدعى موسى بن محمد بن عطاء؛ وهو منكر الحديث، وقيل كذّاب، كما في إسناده رجلان مجهولان لا يُعرفان؛ وقد علّق أهل العلم على من حسّن هذا الحديث، وقالوا إنّ ذلك ليس بحسن، وقد علّق الألباني على هذا الحديث بأنّه موضوع، لا سيما الجزء الثاني منه.[٣]


حديث يغني عن (الجنة تحت أقدام الأمهات)

صحّ في السنة النبويّة حديث آخر يدلّ في معناه أنّ الجنة تحت أقدام الأمهات؛ وهو يُغني عن الحديث المنكر والموضوع الذي سبق تخريجه؛ وهو ما أخرجه النسائي عن معاوية بن جاهمة السلميّ -رضي الله عنه-؛ حيث جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له: (يا رسولَ اللَّهِ، أردتُ أن أغزوَ، وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها).[٤][٥]


وفي رواية أخرى للطبراني مفادها أنّ الجنّة تحت أقدام الوالدين؛ فعن جاهمة السلميّ -رضي الله عنه- أنّه قال: (أتَيْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أستَشيرُه في الجهادِ، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ألك والدانِ؟ قال: نَعَمْ، قال: الزَمْهما فإنَّ الجنَّةَ تحتَ أقدامِهما).[٦][٥]


مكانة بر الوالدين

تُبين الأحاديث السابقة أنّ برّ الوالدين من الأعمال العظيمة، والتي فضّلها الله -تعالى- على الجهاد في سبيله؛ أيّ القتال وملاقاة العدوّ، فالجهاد قد يكون فرض عين في حالات محددة، ولكنّ حكمه في العموم فرض كفاية؛ إلا أنّ برّ الوالدين فرض عين بكل أحواله.[٧]


وقد سمّى النبي -صلى الله عليه وسلم- إتعاب النفس أثناء القيام ببر الوالدين، وتحمّل كل ما يلاقيه الابن في سبيل إرضائهما، وقضاء حوائجهما، وبذل المال والوقت طلباً لرضاهما؛ سمّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- جهاداً.[٧]


وذلك من باب المشاكلة والمشابهة؛ فقد ثبت في الصحيح أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل له والدان: (... فَفِيهِما فَجَاهِدْ)؛[٨] ولهذا قال العلماء يُحرم على الولد الجهاد إن كان له أبوان؛ شرط أن يكونا مسلمين؛ لأنّ برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فيتعيّن تقديم الجهاد بالوالدين -إن لزم الأمر- على الجهاد في سبيل الله -تعالى-.[٧]

المراجع

  1. رواه الدولابي، في الكنى والأسماء، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:1910، قال السفاريني الحنبلي في إسناده رجلان مجهولان وقال العقيلي منكر.
  2. رواه ابن عدي، في الكامل في الضعفاء، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:64، فيه موسى بن محمد بن عطاء منكر الحديث ويسرق الحديث.
  3. ^ أ ب ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، صفحة 58-59، جزء 2. بتصرّف.
  4. رواه النسائي، في السنن الكبرى، عن معاوية بن جاهمة السلمي، الصفحة أو الرقم:3104، قال الألباني هذا الحديث حسن صحيح.
  5. ^ أ ب سعيد بن وهف القحطاني، بر الوالدين، صفحة 13-14. بتصرّف.
  6. رواه الطبراني، في المعجم الكبير، عن جاهمة السلمي، الصفحة أو الرقم:289، قال الهيثمي رجاله ثقات.
  7. ^ أ ب ت عبد الله البسام، توضيح الأحكام من بلوغ المرام، صفحة 343، جزء 6. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5972، صحيح.