نصّ حديث: لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي

أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِي، ولَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي)،[١] والحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بنفس اللفظ، وأخرجه عن سهل بن حنيفٍ -رضي الله عنه- بدون لفظة "لكن"، وروايته هي: (لا يَقُلْ أحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، ولْيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي).[٢]


شرح حديث: لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي

معاني مفردات الحديث

فيما يأتي بيانٌ لمعاني أبرز مفردات الحديث:

  • خبثت: من الخبث وهو ضدّ الطيب، وخبث الشيء؛ أي فسد وصار رديئًا كريهًا.[٣]
  • لَقست: لقستْ نفسه؛ أي كسلت وفترت، أو شعرت بغثيانٍ.[٤]


المعنى الإجمالي للحديث

كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يعلّم أصحابه -رضي الله عنهم- والمسلمين من بعدهم ويوجّههم إلى كلّ خيِّرٍ طيِّبٍ من الأقوال والأفعال، وألّا يبدر منهم أو يصدر عنهم إلّا كلّ حسنٍ جميلٍ، حتّى أنّه -عليه الصلاة والسلام- كان يحبّ الأسماء الحسنة ويزكّيها، ويبغض الأسماء ذات المعاني القبيحة، ويحثّ على تغييرها، وفي هذا الحديث توجيهٌ من النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وإرشادٌ إلى أصحابه بأن يتجنّبوا ويمتنعوا عن وصف أنفسهم بصفة الخبث؛ لأنّ المسلم لا يخبث ولا يُوصف بالخبث أبدًا؛[٥] فهو وصفٌ للشيطان والكفرة الفجرة من الناس، ولا يليق أن يُوصف به المسلم؛ فكان التوجيه النبويّ للصحابة -رضي الله عنهم- ولكلّ مسلمٍ، إن هو أراد أن يصف أو يخبر عن ما أصابه في نفسه من فتورٍ أو كسلٍ أو مللٍ أو غثيانٍ؛ أن يقول: لقست نفسي؛ فاللقس يحمل هذا المعنى، وبذلك يبتعد المسلم عن وصف نفسه بوصف الخبث الذي يوصف به الشياطين والكفرة.[٦]


الدروس المستفادة من الحديث

يرشد الحديث النبويّ الشريف إلى جملةٍ من الدروس والمعاني العظيمة، ومنها: التنبيه إلى أنّ بعض الكلمات قد تكون من الألفاظ المشتركة التي تحمل أكثر من دلالةٍ؛ كلفظة الخبث، والأجدر بالمسلم في هذه الحالة أن يتجنّب استعمال اللفظ الذي قد يُحمل على معنى مكروهٍ لا يُناسب المسلم أو يليق به كلفظة الخبث، ومثالٌ على الألفاظ المشتركة والنهي عن استعمال ما يُحمل على معنى لا يليق؛ ما جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)؛[٧] فنهت الآية الكريمة المسلمين أن يقولوا: "راعنا"، وأن يستبدلوها بقول: "انظرنا"؛ لأن الكفّار كانوا يقولون للنبيّ -عليه الصلاة والسلام-: راعنا، ويقصدون بها معنى فيه استخفافٌ بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وهو الرعونة، فوجّه الله -تعالى- المسلمين أن يستعملوا لفظ "انظرنا" أي أمهلنا، بدل "راعنا"؛ لأنّ "راعنا" تحتمل معنى آخر لا يليق، ويرشد الحديث الشريف إلى ضرورة انتقاء الألفاظ الحسنة الجميلة، والابتعاد عن الألفاظ التي قد تحمل معنى سيئًا أو قبيحًا، أو قد يُفهم منه معنى لا يليق بالمسلم.[٦]



مواضيع أُخرى:

شرح حديث: والصبر ضياء

شرح حديث: من ستر على مسلمٍ

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6179، حديث صحيح.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم:2251، حديث صحيح.
  3. "معنى خبث"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 22/9/2022. بتصرّف.
  4. "معنى لقس"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 22/9/2022. بتصرّف.
  5. ابن بطال، شرح صحيح البخاري، صفحة 336-337. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "شرح حديث: لا يقولنّ أحدكم خبثت نفسي"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 22/9/2022. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية:104