نصّ حديث رفع القلم عن ثلاث

أورد أبو داود في سننه وغيره من المحدِّثين، ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (رُفِعَ القلَمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتَّى يستيقِظَ، وعن المُبتلَى حتَّى يبرَأَ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يكبَرَ)،[١] وفي روايةٍ أُخرى: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ وعن الغلامِ حتَّى يحتلِمَ وعن المجنونِ حتَّى يُفيقَ).[٢]


شرح حديث رفع القلم عن ثلاث

معاني مفردات الحديث

فيما يأتي بيانٌ لأبرز معاني المفردات الواردة في الحديث الشريف:[٣][٤]

  • رُفع القلم: أي رُفعة المؤاخذة والإثم والعقاب.
  • يحتلم: أي يكبر ويصل سنّ البلوغ؛ أي سنّ التكليف الذي يحاسب عنده.
  • المبتلى: يُقصد به المجنون.
  • المجنون: فاقد العقل أو من يغيب عقله لعَّلةٍ ومرض فيه.


المعنى الإجمالي للحديث

يشير النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث إلى رفع الله -سبحانه وتعالى- للإثم والمؤاخذة وترتيب العقاب على ثلاثة أصنافٍ من الناس، وقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاثة"؛ لفظٌ ووصفٌ عامٌّ يشملّ ويعمّ الذكور والإناث، وهؤلاء الأصناف الثلاثة من الناس الذين رفع الله -تعالى- برحمته ولطفه عنهم الإثم والمؤاخذة ثلاثةٌ، هم: النائم المستغرق في نومه؛ لأنّه في نومه يكون مغيَّبًا غير عاقلٍ ولا مدركٍ لما حوله؛ فلا يكون آثمًا بما بدر منه أو فاته في نومه؛ كأن فاتته الصلاة وهو نائمٌ؛ فإنّه لا يؤاخذ، ولا يأثم، ولكنّه ملزمٌ بقضائها حين يستيقظ.[٤]


وأمّا الصنف الثاني الذي ذكره النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في الحديث، فهو المجنون الذي يُعاني مرضًا واختلالًا في عقله، يمنعه من الإدراك والفهم؛ فهذا معذورٌ شرعًا ومرفوعٌ عنه المؤاخذة والإثم؛ فلا يُحاسب على ما لم يقم به من العبادات والتكاليف ونحوها، إلّا إذا أفاق وشفي من جنونه، أو كان جنونه غير مطبقٍ -أي غير دائمٍ-؛ بمعنى أنّه يكون في أحوالٍ واعٍ ومتيقِّذًا ومدركًا لما حوله.[٤]


وأمّا الصنف الثالث الذي رفع عنه الله -تعالى- المؤاخذة والإثم وعدم المحاسبة الأخرويّة؛ فهو الصغير حتى يكبر، وكبره بوصوله لسنّ البلوغ، فالصغير قبل سنّ البلوغ لا يأثم على عدم قيامه بالتكاليف الشرعيَّة، إلّا أنّ ذلك لا يعني ألّا يؤمر بها، أو ألّا يحثّه أهله عليها، بدليل قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ)،[٥] كما أنّه يؤجر على فعل العبادات والطاعات.[٤]


ما يُرشد إليه الحديث

يرشد الحديث الشريف إلى جملةٍ من المقاصد والمعاني، ومن أبرزها أنّه لا عقاب دنيوي أو أُخروي على النائم أو الصغير أو المجنون إذا تركوا واجبًا، أو فعلوا محظورًا؛ لأنّهم في حال النوم والجنون وصغر السن دون البلوغ لا يكونون مكلّفين،[٦] إلّا أنّ العلماء قد نبّهوا إلى أمرٍ مهمٍّ، وهو: أنّ رفع الله -تعالى- للعقوبة عن هؤلاء الثلاثة، وعدم مؤاخذتهم وترتيب الإثم عليهم، لا يمنع من أنهم ملزمون بالضمان في حال قاموا بفعلٍ ترتّب عليه إتلاف مالٍ للغير أو إضرارٌ بهم؛ فيلزمهم أو يلزم من يتولّى أمرهم أن يُعوّض من تضرر بسببهم.[٧]



مواضيع أُخرى:

حديث يا عبادي

شرح حديث من سرّته حسنته

المراجع

  1. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4398، صححه الألباني.
  2. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:142، أخرجه في صحيحه.
  3. "شرح حديث: رُفع القلم"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث عبد الله بن صالح الفوزان، منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 582-586. بتصرّف.
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم:495، قال الألباني حسن صحيح.
  6. ابن عثيمين، فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام، صفحة 58-59. بتصرّف.
  7. صالح بن فوزان الفوزان (1/12/2006)، "معنى حديث: "رفع القلم عن ثلاثة عن النائم""، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22/8/2022. بتصرّف.