بدأ وضع وتلفيق الأحاديث كذبًا على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بعد الفتنة التي وقعت بين عليٍّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- في خلافة عليّ، حيث دفع الانتصار للأشخاص والفِرَق بعض ضعاف النفوس والدين إلى وضع وتلفيق بعض الأحاديث، ونسبتها كذبًا إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ويذكر بعض المحدِّثين أنّ وضع الحديث بدأ أول ما بدأ في العراق،[١] وفيما يأتي مزيد بيان عن وضع الحديث من حيث دوافعه وأسبابه، وتعريفٌ بالحديث الموضوع وحكم روايته.


وضع الحديث: معناه ودوافعه

معنى وضع الحديث

يُقصد بوضع الحديث اختلاق وتأليف نصوصٍ، ونسبتها كذبًا وزورًا إلى النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وادّعاء أنّه قائلها، ويُطلق عليها: الأحاديث الموضوعة، وتُسمّى أحاديث تجاوزًا، ومن علماء الحديث من اعتبر الأحاديث الموضوعة قسمًا من أقسام الحديث الضعيف، ومنهم من اعتبره قسمًا مستقلًّا؛ لتعمّد الكذب فيه على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وتأليف قائلها لها.[٢]


دوافع وأسباب وضع الحديث

تنوّعت الأسباب والدوافع التي دفعت وضّاعي الأحاديث لوضعها، والكذب على النبيّ -عليه الصلاة والسلام- باختلاقها ونسبتها له، ومن أبرز أسباب ودوافع وضع الأحاديث ما يأتي:[٣]

  • السعي لإفساد الدين والتشكيك فيه: حيث قصد بعض واضعي الحديث من الزنادقة بوضعهم للحديث، أن يفسدوا على الناس دينهم؛ وذلك بتشكيكهم فيه، من خلال تأليف أحاديث لا أصل لها ونسبتها إلى النبيّ، وممّن فعل ذلك: عبد الكريم بن أبي العوجاء.
  • السعي إلى تقريب الناس من الدين: حيث قام بعض الجهّال من واضعي الحديث، بنيَّةٍ وقصدٍ حسنٍ بوضع وتأليف أحاديث؛ بغرض تقريب الناس من الدين، وحثّهم على فعل الخيرات، ونهيهم عن المنكرات، وممّن فعل ذلك راوٍ اسمه: نوح بن مريم.
  • الانتصار للمذهب: حيث دفع تعصّب البعض لمذاهبهم الفقهيَّة أو العقديَّة إلى تأليف أحاديث؛ انتصارًا لمذاهبهم أو قدحًا في مذاهب مخالفيهم.
  • التكسّب والترزّق: حيث كان يلجأ بعض القُصّاص والرواة إلى وضع الأحاديث التي فيها بعض الأخبار والقصص المسلّية أو العجيبة؛ لروايتها للناس وكسب الرزق من وراء ذلك، وممّن فعل ذلك من الرواة: أبو سعيد المدائني.
  • التقرّب من الخلفاء والولاة: دفعت الرغبة إلى التقرّب من الولاة والخلفاء بعض الرواة إلى اختلاق وتأليف أحاديث فيها معاني النصرة والتأييد لهؤلاء الخلفاء والولاة أو المسايرة لهم؛ ليحصل الرواة على مكانةٍ مقرّبة من الخلفاء والولاة، وكسب ودّهم وأُعطياتهم، وممّن فعل ذلك من الرواة: غياث بن إبراهيم مع الخليفة المهدي.
  • حبّ الظهور والرغبة في الشهرة: حيث عمد بعض الرواة إلى تلفيق أسانيد صحيحة وإلحاقها بروايات مكذوبةٍ؛ ليُعرف بين الرواة، ويأتونه ليسمعوا الحديث منه.


حول الحديث الموضوع

سبق الذكر أنّ الحديث الموضوع هو الحديث المختلق المكذوب على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وفيما يأتي بيانٌ لحكم رواياته، وأشهر الكتب والمصنّفات التي جمع فيها العلماء الأحاديث الموضوعة.


حكم رواية الحديث الموضوع

أكّد علماء الحديث على عدم جواز رواية الحديث الموضوع ونقله للناس إلّا مع بيان أنّه موضوعٌ ومكذوبٌ على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ولا يُقبل أن يُروى الحديث الموضوع، أو يوعظ به الناس أيًّا كان مضمونه، سواءً في الأخلاق أو الترغيب والترهيب، أو الأحكام، أو السير والقصص؛ وذلك لخطورة وعظم رواية ما هو مكذوبٌ على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث توعّد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من كذب عليه بوعيدٍ شديدٍ، كما جاء في قوله: (إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ).[٤][٥]


كتب في الأحاديث الموضوعة

صنّف عددٌ من العلماء كتبًا جمعوا فيه الأحاديث الموضوعة؛ لتحذير وتنبيه الرواة والناس منها، وبيان أنّها مكذوبةٌ على النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ومن هذه المؤلفات:[٢]

  • كتاب الموضوعات لابن الجوزي.
  • كتاب اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة: صنّفه السيوطي، وهو اختصارٌ وتعقيبٌ لما أورده ابن الجوزي في كتابه الموضوعات.
  • كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة: صنّفه ابن عراق الكناني، وجعله اختصارًا لكتابي ابن الجوزي والسيوطي.


المراجع

  1. "الوضع في الحديث"، إسلام ويب، 7/8/2012، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2022. بتصرّف.
  2. ^ أ ب محمود الطحان، تيسير مصطلح الحديث، صفحة 111-117. بتصرّف.
  3. عبد الكريم الخضير، الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، صفحة 132-135. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:1291، حديث صحيح.
  5. حسن أيوب، الحديث في علوم القرآن والحديث، صفحة 217. بتصرّف.