الحديث الصحيح لذاته

يُعرّف علماء الحديث الصحيح لذاته بأنّه: الحديث الذي اتّفق العلماء على صحّته دون أيّ خلافٍ بينهم، وهو الذي توافرت فيه كلّ شروط الحديث الصحيح، فيكون إسناده متصلاً بنقل الراوي العَدْل الضابط عن العَدْل الضابط، من أول السند إلى آخره دون أي انقطاعٍ بين الرواة، ولا يكون شاذّاً ولا معلّلاً بعلّةٍ قادحةٍ كما سيأتي بيانه، وهو الذي يقصده المُحدّثين عند قولهم الحديث الصحيح.[١]


ما هي شروط الحديث الصحيح لذاته؟

الشرط الأول: الاتصال

هذا الشرط مُتعلّقٌ بالسند، وليس له علاقةٌ بالراوي أو متن الحديث (نصّه)، ويقصد به اتصال سند الحديث، أو ما يعرف بسلسلة الرواة، بأن يسمع كلّ راوٍ الحديث عمّن فوقه من الرواة (أي الراوي الذي قبله)، دون أن يسقط أحد الرواة من السند، وبهذا الشرط يخرج الحديث الذي اشتمل على انقطاعٍ في السند، ولا بدّ أن يكون الاتصال برواية التلميذ عن شيخه مُباشرةً بأحد طُرق السّماع، ويُعرف ذلك بتصريح الراوي، كقوله: سمعتُ فلان، أو حدّثني فلان، أو أخبرني فلان، أو الألفاظ المُحتملة للسماع احتمالاً راجحاً؛ كالعنعنة، أي قوله: (عن فُلان) بشرط عدم اتّصاف الراوي بالتدليس،[٢][٣] ويُراد بالتدليس إسناد الحديث إلى غير راويه كأنّه سمعه منه رغم أنّه لم يسمعه.[٤]


الشرط الثاني: العدالة

ويُقصد بها عدالة الرواة وهي: المَلكة التي تحثُّ صاحبها على ملازَمة التقوى والطّاعة، والبُعد عن المعاصي والذنوب، كالفسق والبِدعة، والسلامة من كلّ ما يخلُّ بالمروءة، فتخرُج بذلك رواية الفاسق الذي يكذب في كلامه، أو الذي يرتكب المعاصي التي لا يدخُلها التأويل، كشرب الخمر، وهذه المسألة يكون الحُكم فيها على غالب حال الراوي؛ لأنّ الاتّصاف بالعدالة على الدّوام من طبيعة الملائكة لا البشر،[٥] وللعدالة ثلاثة شروطٍ بيانها آتياً:[٦]

  • الإسلام: فيخرج بذلك رواية غير المسلم، وتجدر الإشارة إلى أنّ توافر العدالة في الراوي تجب عند أداء الحديث، أي عند روايته له، وليس عند تحمُّله وسماعه وحفظه؛ لِوجود بعض الأحاديث التي سمعها الصحابةُ الكِرام عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قبل إسلامهم، ثُمّ روايتهم لها بعد دُخولهم الإسلام.[٦]
  • البلوغ: والأصل أنّه يُشترط عند أداء الحديث والتحدّث به وليس عند تحمُّله وسماعه.[٧]
  • العقل: فلا تُقبل رواية الحديث من المجنون والسّفيه والمعتوه ومَن في حكمهم.[٨]


الشرط الثالث: الضبط

ويُراد به أن يحفظ الراوي الحديث النبوي، إمّا في صدره غيباً أو كتابةً في السطر، وأن يكون قادراً على استحضاره عند الأداء والتحدّث به، ممّا يعني عدم غفلة الراوي أو تساهله في حفظ الحديث أو أدائه.[٩]


الشرط الرابع: السلامة من الشذوذ

الشُّذوذ هو: مُخالفة الراوي الثقة لمن هو أوثق منه؛ ويكون الشّذوذ إمّا في الضبط أو العدد، والسبب في ذلك أنّ الثقة عند مُخالفته لِمن هو أوثق منه يكون ذلك دليلاً على وهمه في روايته لهذه الرواية، فيكون الأوثق مقدّماً عليه، ويعتبر المرجوح شاذاً، أي لا بدّ أن يتفق الرواة على رواية الحديث، فلا يخالف أحدهم الآخر، فإن اختلفوا فتقدّم رواية الراوي الأوثق على رواية الثقة.[١]


الشرط الخامس: السلامة من العلّة

أن يكون الحديث سالماً من العِلل والأمور القادحة فيه، والعلّة هي: سببٌ خفيّ يقدح في صحّة الحديث مع أنّ الظاهر السلامة منه، والعلّة التي تقدح في الحديث الصّحيح ما كانت خفيّةً غير ظاهرةٍ؛ لأنّ العلّة الظاهرة تُضعف الحديث بِمُجرد النظر إليها من أوّل مرّةٍ، وتظهر العلّة في الحديث من خلال تتبّع رواياته وطُرقه التي ورد بها كلّها.[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث، صفحة 242. بتصرّف.
  2. حسن الزهيري، دورة تدريبية في مصطلح الحديث، صفحة 6. بتصرّف.
  3. محمد حسن عبد الغفار، شرح المنظومة البيقونية، صفحة 4. بتصرّف.
  4. "تعريف ومعنى تدليس في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 8/11/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب