نص حديث المؤمن القوي

أخرج الإمام مسلم في صحيحه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ).[١]


شرح حديث المؤمن القوي

إنّ النّاظر في وصايا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يجد أنّها تبثّ في نفوس المسلمين الخير والنّفع والقوّة، وهذا الحديث من الوصايا الجامعة التي ينتج عن تطبيقها النّفع والخيريّة في الفرد والمجتمع، وسيتمّ توضيح معاني هذا الحديث الشريف فيما يأتي:


شرح الجزء الأول

يُقصد بالقوّة هنا قوّة الإيمان والطّاعة والنّفس والعزيمة، ويُضاف لها أيضاً القوّة البدنية إذا كانت معينةً للمسلم على الطّاعة وفعل الخير، لِذا قال بعض أهل العلم في شرح الحديث: "والقوي في بدنه وعمله خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله؛ لأن المؤمن القوي يُنتج ويَعمل للمسلمين، وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية وبقوته العملية".[٢]


أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وفي كلٍّ خير"؛ فيعني أنّ كلاهما فيهما خير لاشتراكهما في الإيمان، ومن مظاهر القوّة المحمودة في المؤمن ما يأتي:[٣]

  • القوّة في العبادة والطاعة؛ كأن يكون المؤمن أكثر عبادةً والتزاماً بأوامر الله، وأكثر قياماً وصياماً وعملاً.
  • القوّة في عزيمة النفس؛ كقوّته في اجتناب الشهوات، وقوّته على تغيير المنكر والدعوة إلى الله، وصبره على أقدار الله.
  • القوة في البدن؛ فتُعينه على الدّفاع عن المسلمين، والذبِّ عنهم، والوقوف في وجه الأعداء، والجهاد في سبيل الله.
  • القوّة في المال؛ فيكون أكثر صدقة ونفقة في سبيل الله، ويُساعد المحتاجين حوله، ولا يحرص على حبّ الدنيا، بل يجعل ما بيده في سبيل إرضاء الله -تعالى-.


شرح الجزء الثاني

يوصي النبيّ المؤمن فيقول: (احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزْ)، وتوضيح معاني هذه الوصايا الثلاث فيما يأتي:[٤]

  • احرص على ما ينفعك: يحثّ النبيّ الكريم المؤمن على الحرص على ما ينفعه؛ أي يهتمّ ويحرص على ما ينفعه في دينه، وفي تحقيق ما خُلِق لأجله؛ وهو عبادة الله -سبحانه-، ولا يعني ذلك أن ينسى نصيبه من الدنيا.
  • واستعن بالله: ومعنى ذلك أن يبذل المؤمن جهده، ولكن لا يعتمد على نفسه فيقول: أنجزت وفعلت وخطّطت وضمنت النتائج، بل يجعل توكّله على الله ويستعين به؛ ذلك أنّ إنجاز المرء وإتمام عمله دون معيّة الله وإرادته لا يتحقّق.
  • لا تعجز: أي لا تعجز على طلب الاستعانة بالله، ولا تتكاسل عن الطاعات، وخُذ بالأسباب في أيّ عمل.


شرح خاتمة الحديث

يختم الحديث ببيان أهمية التسليم والرضا بقضاء الله، وأنّ الخيرة فيما اختاره، فإن أصابك أيها المؤمن شيء من البلاء نتيجة فعلك لا تقل لو أنني فعلت، ولو أنني ما فعلت كذا، ولكن كن مؤمناً أنّ هذا من تقدير الله -سبحانه-، وسلّم أمرك لصاحب الأمر وارضَ بما قدّر، ولا تلتفت إلى ما فات وتندم طالما أخذت بالأسباب، لأنّ كثرة الندم والتركيز على ما فات يفتح مجالاً لوساوس الشيطان حتى يؤدّي بالمرء إلى الخسران.[٥]


ما يُستفاد من حديث المؤمن القوي

يُستفاد من هذا الحديث النبوي الشريف عدّة دروس وعبر، ولعلّ من أهمّها ما يأتي:

  • دعوة الأفراد والمجتمعات بالتمسّك بأسباب القوّة التي تُرضي الله -تعالى-؛ ومنها القوة الإيمانية والنفسية والمادية.
  • الرضا بقضاء الله وقدره سببٌ لراحة المؤمن في دنياه وآخرته.
  • إذا بذل المؤمن جهده وأخذ بالأسباب مستعيناً بالله، ثمّ كانت نتيجة الأمر خِلاف ما يُريد؛ فلا يندم ويتكدّر، بل يرضى بقضاء الله ويؤمن أنّ الله اختار له الخير وصرف عنه السوء.
  • العجز يأتي بسبب عدم الاستعانة بالله وعدم الأخذ بالأسباب، ومن ثمّ الشعور باليأس وإطلاق الأحكام على الظروف الخارجية والتحسّر على الماضي.



مواضيع أخرى:

شرح حديث حلاوة الإيمان

شرح حديث عن الرجل يقاتل شجاعة

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2664، صحيح.
  2. "شرح حديث (المؤمن القوي ...) وبيان معنى القوة فيه"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 13/12/2022.
  3. "شرح حديث المؤمن القوي"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2022. بتصرّف.
  4. عبد الكريم الخضير، شرح جوامع الأخبار، صفحة 11، جزء 3. بتصرّف.
  5. موسى شاهين لاشين، فتح المنعم شرح صحيح مسلم، صفحة 196-197، جزء 10. بتصرّف.