حديث (رفقاً بالقوارير)

أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حديثاً صحيحاً، جاء بما معناه الحثّ على الرفق بالقوارير؛ حيث قال: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في مَسِيرٍ له، فَحَدَا الحَادِي، فَقالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: ارْفُقْ يا أنْجَشَةُ، ويْحَكَ بالقَوَارِيرِ)؛[١] وفي رواية أخرى: (أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ في سَفَرٍ، وكانَ غُلَامٌ يَحْدُو بهِنَّ يُقَالُ له: أنْجَشَةُ، فَقالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ سَوْقَكَ بالقَوَارِيرِ).[٢]


وفي رواية ثالثة: (كانَ للنَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حَادٍ يُقَالُ له: أنْجَشَةُ، وكانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقالَ له النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ، لا تَكْسِرِ القَوَارِيرَ -قالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ-).[٢]


شرح حديث (رفقاً بالقوارير)

مناسبة الحديث

يبيّن هذا الحديث أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان خارجاً مع بعض نسائه في أحد الأسفار، وقد توّلى سوق الإبل غلاماً حسن الصوت يُدعى أنْجَشَةُ؛ كان يحدو للإبل؛[٣] وهو أن يأتي الراعي بأصوات حسنة تألفها الإبل، فتجتمع حوله، وتلتفت إليه، وتقبل عليه لو كانت بعيدة، كما تستهمّ السير وتسرع فيه؛[٤]


ولمّا علا صوت أنْجَشَة بالحداء أسرعت الإبل خطاها، وأخذت تترنم وتسير بصورة غير متزنة، وعلى ظهرها تستقرّ بعض نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهنّ من النساء.[٥]


حينها أمره النبي بالرفق بهنّ، والسير بشكل متأن حتى يأمن على النساء من السقوط أو حدوث الضرر؛ ولا سيما أن منهنّ الضعاف كبيرات السنّ؛ إذ كانت أم سليم -رضي الله عنها- مع جمع النساء اللواتي كنّ على ظهر الإبل؛[٦] وهي أم أنس بن مالك -رضي الله عنه-،[٧]


تشبيه النساء بالقوارير

شبّه النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء بالقوارير ليكون ذلك أدعى للحرص عليهنّ والترفق بحالهنّ، وضعف عزائمهنّ؛ كما يترفق المرء بالقارورة المصنوعة من الزجاج، إذا حملها على ظهر دابته؛ خوفاً من كسرها.[٥]


ومن الجدير بالذكر أنّ بعض أهل العلم، فسّروا هذا الحديث على وجهٍ آخر؛ فقيل إنّ حُسن صوت أنْجَشَة حرّك ما في نفوس النساء؛ لذا أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يترفّق بهنّ لسرعة تأثرهنّ، وضعف نفوسهنّ؛ فخشي عليهنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك.[٨]


أهم ما يرشد إليه هذا الحديث

هذا الحديث النبوي حرّي بكل رجل مسلم أن يتدارسه، ويستشفّ ما فيه من البلاغة النبويّة؛ التي وصف فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعف النساء وسهولة كسرهنّ، أو التقوي عليهنّ، وإلحاق الضرر بهنّ، وسرعة تأثرهنّ كحال القارورة الزجاجيّة؛ التي يحرص عليها المرء، ويوليها اهتماماً كبيراً أثناء نقلها، أو حملها مع المتاع.


لذا ينبغي الحفاظ على هذه المرأة الضعيفة كما في الحفاظ على هذه القوارير؛ فلا تُهان ولا تُضرب، ولا يُتلاعب بمشاعرها ونفسها بكل استخفاف وتهاون؛ بل ينبغي مراعاة ما جُبلت عليه خشية إلحاق الضرر بها، والحرص على مؤانستها، وحسن الخلق معها، بدءاً من معاشرتها بالمعروف، وملاطفتها، ولين الطبع معها.


ونستحضر في هذا المقام قوله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ).[٩]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6209، صحيح.
  2. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6210، صحيح.
  3. شمس الدين البرماوي، اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح، صفحة 245، جزء 15. بتصرّف.
  4. عبد المحسن العباد، شرح سنن أبي داود للعباد، صفحة 49، جزء 560. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح، صفحة 553-554، جزء 28. بتصرّف.
  6. ابن هبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح، صفحة 154-155، جزء 5. بتصرّف.
  7. أمين الشقاوي، الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة، صفحة 412، جزء 11. بتصرّف.
  8. الخطابي، أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري)، صفحة 2203، جزء 3. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3331 ، صحيح.