حديث الرويبضة

أخرج ابن ماجه في سننه؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ؛ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ، ويُخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ، قيلَ: وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ).[١]


صحة حديث الرويبضة

حكم عدد من أهل الحديث على هذا الحديث بالصّحة؛ فقيل: هذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، وهو صحيح المتن، ضعيف الإسناد إلا أنّ له شواهد كثيرة ومتابعات تقوّيه؛ وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده بذات المتن والإسناد، والإمام أحمد في مسنده، ورواه الحاكم في الفتن والملاحم والمستدرك؛ وقال: إنّ هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه الشيخان -البخاري ومسلم-،[٢] كما صححه الذهبي في التلخيص، ووصحّحه الألباني في سنن ابن ماجه.[٣]


شرح حديث الرويبضة

يُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن الفتن التي ستحدث في آخر الزمان؛ إذ ستأتي على الناس سنوات فيها من الخداع وقلب الحقائق وتزييفها ما فيها، ففي هذا الزمان وهذه السنوات سيُصدّق الكاذب، ويُتهم الصادق بالكذب، ويُؤتمن الخائن الذي لا أمانة عنده، ويُخوّن الأمين الذي يحرص على أداء الأمانة حرصاً كبيراً، فتنقلب الموازين، ويصير الصدق ومكارم الأخلاق أمراً نشازاً بين الناس من شدّة الفتن وكثرة انتشارها بين الناس.[٤]


ثم يُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً أنّ في هذا الزمن سيتكلم الرويبضة، وهي تصغير لكلمة رابضة؛ وهو: "السفيه، الفاسق، التافه، الوضيع، الحقير، الخسيس"؛[٤] الذي لا شأن له، ولا يأبه به أحد، ولكنّه مع ذلك يتولى أمر العامة.[٥]


ويتكلّم في الشأن العام، وفي معالي الأمور وهو لا حظ له فيها؛ فيكون له حضور فيما لا يعرفه، ولا يتقنه، ولا بضاعة عنده يقدمها للناس حتى يتصدّر لتولي شؤونهم؛ وفي رواية: (لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يَكونَ أسعدَ النَّاسِ بالدُّنيا لُكَعُ ابنُ لُكَعٍ).[٦][٥]


ما يُستفاد من حديث الرويبضة

يمكن الاستفادة من هذا الحديث والتّنبه إلى الأمور التي أشار إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- للتحذير منها، أو من الوقوع فيها من عدّة جوانب؛ وتالياً ذكر ذلك:[٧]

  • إضافة الخداع إلى السنوات هو من باب المجاز؛ إذ المقصود بذلك أهل هذه السنوات هم المتصفون بالخداع.
  • ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ ظهور الرويبضة كان في الأمم السابقة؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ الصحابة سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا رسولَ اللَّهِ متى نترُكُ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عنِ المنكرِ؟ قال: إذا ظهرَ فيكم ما ظهرَ في الأممِ قبلَكم، قلنا: يا رسولَ اللَّهِ، وما ظهرَ في الأممِ قبلَنا؟ قالَ: الْمُلكُ في صغارِكم، والفاحِشةُ في كبارِكم، والعلمُ في رُذالتِكم).[٨]
  • توكيل الأمر إلى غير أهله وإسناده إلى غير ذوي الاستحقاق من الفتن وعلامات الساعة التي تكون في آخر الزمان.

المراجع

  1. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:4036، صححه الألباني.
  2. محمد الأمين الهرري، شرح سنن ابن ماجه للهرري مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه، صفحة 240-241، جزء 24. بتصرّف.
  3. ياسر الحمداني، موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 2422. بتصرّف.
  4. ^ أ ب حمود بن عبد الله التويجري، إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، صفحة 36، جزء 2. بتصرّف.
  5. ^ أ ب نبيل العوضي، دروس للشيخ نبيل العوضي، صفحة 4، جزء 24. بتصرّف.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:2209، صححه الألباني.
  7. الجلال السيوطي، شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره، صفحة 292. بتصرّف.
  8. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:4015، حسنه الوادعي.