حديث (اذكروا محاسن موتاكم)

أخرج الحاكم في مستدركه، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اذكُروا مَحاسِنَ مَوتاكُم، وكُفُّوا عنْ مَساويهِم)،[١] وفي رواية: (وكُفُّوا عن مَساوئِهم).[٢]


صحة حديث (اذكروا محاسن موتاكم)

تعددت آراء أهل العلم من أهل الحديث في صحّة هذا الحديث؛ فمنهم من حكم بصحّته، كالحاكم في المستدرك، وابن حبان، والبغوي،[٣] ومنهم من قال ضعيف الإسناد؛ لأنّ فيه عمران بن أنس المكيّ، وهو منكر الحديث، ومنهم من قال غريب كالترمذي ومن وافقه،[٤]


ورغم ذلك فللحديث شواهد كثيرة تقوّي معناه، وتدعو إلى الإحسان للأموات، والكفّ عن التعرض لمساوئهم؛ ومن هذه الأحاديث:

  • ما ثبت في صحيح البخاري؛ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن سب الأموات؛ فقال: (لا تَسُبُّوا الأمْواتَ، فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا).[٥][٦]


  • ما صحّ عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (... لا تَسُبُّوا أمْواتَنا، فتُؤْذوا به الأحْياءَ).[٧][٨]


  • ما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بحسن التعامل مع الأحياء والأموات؛ فقال: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهلِهِ، وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي، وإذا ماتَ صاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ لا تقَعوا فيه).[٩][١٠]


  • ما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (ذُكرَ عندَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- هالِكٌ بسوءٍ فقالَ: لاَ تذْكروا هلْكاكم إلاَّ بخيرٍ).[١١][١٠]


شرح حديث (اذكروا محاسن موتاكم)

نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث عن ذكر مساوئ الأموات، وما كان منهم في حياتهم من الأمور من سوء، كما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التعرض لشتم الأموات؛ لما في ذلك إيذاء للأحياء -كما بيّنته الأحاديث الأخرى-، وأنّ هذا الميت ذهب إلى من يُحاسبه على ما قدّم وما كان منه؛ وقد تعددت أقوال العلماء في أنّ هذه المسألة تختصّ بالمسلمين فقط؛ أم بهم وبغيرهم.[١٢]


حيث ذهب بعض أهل العلم إلى القول إنّ هذه الأحاديث تتعلق بالمسلمين فقط، وتنهى عن التعرض لأمواتهم؛ لأنّ هجو الميت المسلم كهجو الحيّ منهم، أمّا المشركون الكافرون فلا حصانة لهم، فيجوز التعرّض لأمواتهم كما يتمّ التعرض لأحيائهم؛ مستدلين بفعل حسان بن ثابت -رضي الله عنه-، وتأييد النبي -صلى الله عليه وسلم- له.[١٣] وذهب آخرون من أهل العلم إلى القول بأنّ هذا النهي عام؛ يشمل أموات المسلمين والكافرين.[١٢]


بينما اختار بعض أهل العلم التفصيل في المسألة؛ فقالوا لا بأس بأن تُذكر مساوئ أموات المشركين الكافرين على أن لا يتأذى بها أحد من المسلمين الأحياء ممن تجمهم القرابة أو الصلة، أمّا سوى ذلك فلا حرج به؛ لا سيما إذا كان هذا الميت الكافر ممن آذى المسلمين، وتعرّض لهم بالتنكيل والقتل ونحو ذلك من صنوف الأذى.[١٢]

المراجع

  1. رواه الحاكم، في المستدرك، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1439، صحيح الإسناد.
  2. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:3020، أخرجه في صحيحه.
  3. البغوي، أبو محمد، شرح السنة للبغوي، صفحة 387، جزء 5.
  4. صهيب عبد الجبار، المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة، صفحة 57، جزء 18.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:6516، صحيح.
  6. أسامة سليمان، شرح صحيح البخاري، صفحة 10، جزء 17.
  7. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:5517، صحيح الإسناد.
  8. ابن حمزة الحسيني، البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، صفحة 277، جزء 2.
  9. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:4899، صححه الألباني وقال على شرط الشيخين.
  10. ^ أ ب حسام الدين عفانة، فتاوى يسألونك، صفحة 527، جزء 6.
  11. رواه النسائي، في السنن الكبرى، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1935، صححه السيوطي والألباني.
  12. ^ أ ب ت عبد الله بن صالح الفوزان، منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 270، جزء 10. بتصرّف.
  13. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 160، جزء 42. بتصرّف.