نص حديث يَعمِدُ إلى جمرة

أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قوله: "أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِن ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إلى جَمْرَةٍ مِن نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ، فقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ ما ذَهَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ به، قالَ: لا وَاللَّهِ، لا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ".[١]


شرح حديث يَعمد أحدكم إلى جمرة

شرح المفردات

آتيًا بيانٌ لمعاني ألفاظ الحديث:[٢]

  • فنزعه: أخرجه.
  • فطرحه: ألقاه أرضًا.
  • يَعمد: يَقصدُ.
  • انتفع به: قُم ببيعه أو إعطائه لأحدٍ من النساء.


معنى الحديث

يبيّن الحديث الشريف موقف الشرع من لبس الرجال للذهب على هيئة خاتمٍ أو غيره، فموقف النبيّ -عليه الصلاة والسلام- دلالةٌ على تحريم لبس الرجال للذهب، ويشير النبيّ -عليه الصلاة والسلام- إلى العذاب الذي قد يلحق الرجل الذي يرتدي الذهب كخاتمٍ في يده، وشبّهه بمن يضع في يده جمرةً من نارٍ، وقد ألقى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- خاتم الذهب، وسارع الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الرجل بعد مغادرة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وأخبروا الرجل صاحب الخاتم بأن يأخذ خاتمه وينتفع به في أمورٍ غير لبسه؛ كأن يقوم ببيعه أو إعطائه لأحدٍ من النساء؛ فهذا جائز، إلّا أنّ الرجل لكمال إيمانه وشدّة امتثاله لأمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وأصرّ على عدم أخذ الخاتم أبدًا؛ فقال: "لا وَاللَّهِ، لا آخُذُهُ أَبَدًا"؛ امتثالًا لأمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- ولعظم قدره عنده.[٣]


ما يرشد إليه الحديث

يُستفاد من هذا الحديث الشريف فوائد ودروس عديدةٌ، آتيًا بيانها:

  • لبس الذهب للرجال محرّمٌ وسببٌ للمؤاخذة والحساب يوم القيامة.[٢]
  • كمال وصدق إيمان الصحابة رضي الله عنهم؛ فهم يطبّقون أمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يلتزمون به أيّما التزامٍ؛ وظهر ذلك جليًّا في رفض الرجل الانتفاع بالخاتم؛ لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قد ألقاه.[٣]
  • في الحديث إرشادٌ لكلّ داعية إلى الله تعالى بإمكان استعمال الترهيب في الدعوة قليلًا إن دعت الحاجة إلى ذلك؛ فقد تكون الشدّة مطلوبةً أحيانًا كما فعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- مع الرجل، كما استعمل -عليه الصلاة والسلام- اللين في مواطن ومواقف أخرى؛ فعلى الداعية أن يوازن ويختار الأسلوب المناسب لكلّ حالةٍ وموقفٍ.[٤]
  • في الحديث دلالةٌ على جواز إتلاف ما كان مُنكرًا محرّمًا؛ كما فعل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عندما طرح الخاتم أرضًا.[٤]
  • في الحديث إرشادٌ للانتفاع بالمال وإنفاقه في الخير، والنهيّ عن إضاعته وصرفه فيما لا خير فيه.[٥]


الحكمة من تحريم الذهب على الرجال

أمر الله -سبحانه وتعالى- العباد بكلّ ما فيه صلاحٌ لأحوالهم ودفع الضرر عنهم في دنياهم وآخرتهم، وقد تظهر الحكمة من بعض الأحكام الشرعيّة للمسلم، وقد تخفى الحكمة من بعض الأوامر والنواهي، وعلى المسلم في كلّ الأحوال أن يُسلّم لأمر الله تعالى ويذعن لشريعته التي فيها مصلحته، وقد حرّمت الشريعة الإسلامية الذهب على الرجال؛ ليمتاز الرجال على النساء ويختلفوا عنهم، وليكون لكلّ واحدٍ منهم خصائص خاصّةٌ به؛ فالرجل له خصائص وخصال خاصَّةٌ، والمرأة لها خصائص وخصالٌ تميّزها، والذهب بوجهٍ عامٍّ مُعدٌّ للزينة والتجمّل؛ وهذا خاصٌ بالنساء وممّا أُبيح لهم دون الرجال.[٦]

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2090، صحيح.
  2. ^ أ ب الدرر السنية، "شرح حديث يعمد أحدكم إلى جمرة"، الدرر السنية الموسوعة الحديثية، اطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021. بتصرّف.
  3. ^ أ ب إسلام ويب (24/1/2016)، "يَعْمدُ أحَدُكُم إلى جَمْرةٍ من نار"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (4/8/2020)، "شرح حديث ابن عباس: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده "، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021. بتصرّف.
  5. سماحة الشيخ الامام ابن باز رحمه الله، "من حديث: (نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تختم الذهب)"، موقع سماحة الشيخ الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021. بتصرّف.
  6. الشيخ محمد صالح المنجد (27/5/2007)، "حكمة تحريم الذهب على الرجال"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 11/11/2021. بتصرّف.